خالد سليمان
يعد المهرجان العالمي للأفلام الوثائقية في مونتريال ظاهرة ثقافية وفنية مهمة يشهده المشهد الثقافي للمدينة سنوياً ، متضمناً صورة حية للمشاكل السياسية والإجتماعية والثقافية في العالم . ويركز برنامج هذه التظاهرة السينمائية التي تعتمد مفهوم (الآن / هنا ) على الأمكنة المشتعلة ، المنسية ، المحرمة ، المتوترة ، المغايرة للمألوف . يتكرر فيها غالباً نمط واحد من الحدث ، ويصيبها داء التكرار التاريخي للحزن والمآسي .
في سياق دورته الحالية "الثامنة" التي صادفت هذا الشهر (10/11-20/11) تضمن المهرجان أفلام وثائقية فرنسية وانكليزية واسبانية وعربية وكردية من بلدان كثيرة في العالم . كان هناك فيلماً بعنوان " نساء جبل آرارات "الذي تدور أحداثه عن مقاتلات كرديات تعشن في جبال كردستان منذ سنوات طويلة وترفضن العودة أو التسليم قبل الإعتراف بحقوقهن وحقوق شعبهن الذي يعاني من التمييز العنصري والقومي والإنساني في تركيا . يحاول المخرج الفرنسي " أروان برياند " منذ بداية عمله هذا ، الإبتعاد عن أية رسالة سياسية أوالإقتراب من العالم الداخلي للشخصيات أو " الغريلات " ان صح التعبير . لكنه يرى نفسه أمام ذوات مرتسمة على خارطة السياسة والترميز ،لا بل ذوات مندمجة مع طبيعة وعرة من أجل السياسة ، فكيف الإبتعاد عنها . واحدة منهن تركت أوروبا وحرياتها الفردية المطلقة وتقول وبالفرنسية : " لم اجد حريتي سوى بين هذه الجبال التي تراها ، اصرخ كما اريد واحلم كما اريد " ، والأُخريات تركن المدن التركية المفتوحة امام كل شيء إلاّ السياسة والتكلم باللغة الكردية والتصقن بالجبال .
تروي كل " غريلا " تاريخها وقصتها مع السلاح وحرب العصابات وفق تقنيات سردية مقتضبة ، ولا تدخل بالتالي إلى تفاصيل مملة ، وكأن الحياة الجبلية القاسية والحذر والحراسة الدائمة حولت لغتها إلى جمل وأفكار قصيرة تتناسب مع إيقاع يومياتها . اما السؤال عن العواطف والحب والرومانسية ، فيتحول إلى الحديث عن الرمز أوعن ترميز الذات مع مفردات حرب العصابات . السلاح والجبال إذاً هما الصديق والحبيب ،أما الصخور فهي الوسادات . هذا ليس وصفاً رومانسياً ، بل صور حية تعيشها مقاتلات جبل آرارات . لم تستقطب أية حركة سياسية في منطقتنا عدداً كبيراً من النساء كما استقطبه حزب العمال الكردستاني . ولم تقم أية ثورة في العالم على ترميز وكبح الغرائز والعوالم الداخلية للإنسان كما فعلت الثورة الكردية في كردستان تركيا . والمستحيل كتعبير صادق لنساء نسين أسرتهن الزوجية المفترصة بعدما أصبحن مقاتلات ناعمات فيها ، فهو تماثل آخر بينهن وبين التاريخ . انها حركة سياسية آيديولوجية خصت ذاتها بتعبيرات وبمفردات خاصة . هذا مايريد الوصول إليه مخرج " نساء جبل آرارات " .فالمقاتلة في قمم جبال كردستان وهي تحمل السلاح وتخبئ انوثتها في زي حرب العصابات لم تخلقه سياسة حديدية كما هو الشائع ، بل جاذبية ذلك الترميز الرومانسي للأحلام وتلك المستحيلات التي طالما أصبحت ممكنة في جبال آرارات والقنديل . هناك إذاًخفايا واسرار تخفيها " البارتيزانات " الكرديات في علاقتهن بالثورة والمجتمع وفي رسائلهن المعبئة بالحب والشوق . لقد تركن العائلة وفكرة الزواج والجامعات والملذات والانوثة والمدن ( المدن الأوروبية أيضاً ) ليلتحقن ،لا بالثورة فحسب ، بل بعالم غير مؤثث وغير مهيأ لراحة الحياة اليومية . عالم مليء بالمستحيلات والأحلام والحراسة والقراءة واللهاث والأخبار عبر أثير الراديو ، لا مكان فيه لتلفزيون الحقيقة ( تيليه – رياليتيه ) والأشكال الأخرى من الفرجة . وسيلة الإتصال بينهن وبين العالم هي الرسائل والراديو ، لكن الأدب والسياسة ومذكرات قائدهن المكبل في جزيرة " إيمرلي " تربطهن بالتاريخ . مسلحات شابات ، يتجمعن في جغرافيا ضيقة بعدما ضاقت بهن دنيا العائلة والدولة والقومية ، ويرسمن لذواتهن حدود مجرّدة من " البريستيج الانثوي " ، ذلك انهن تركن مساحات جمال الجسد ورائهن ، وأصبح إحتمال الإلتجاء إليه لإبراز الانوثة منسياً . بالتالي إن هناك " انثى " مخفية وراء إرادة ترميز الأشياء ، الطفولة والأصدقاء والأمكنة والمفاهيم . تتحرك وفق سرد ذاتي للسياسة والآيديولوجيا ووفق صور ملتزمة - على غرار الكلمة الملتزمة - عن التواجد بين جبال متاخمة للرومانسية والحزن معاً .
يعد المهرجان العالمي للأفلام الوثائقية في مونتريال ظاهرة ثقافية وفنية مهمة يشهده المشهد الثقافي للمدينة سنوياً ، متضمناً صورة حية للمشاكل السياسية والإجتماعية والثقافية في العالم . ويركز برنامج هذه التظاهرة السينمائية التي تعتمد مفهوم (الآن / هنا ) على الأمكنة المشتعلة ، المنسية ، المحرمة ، المتوترة ، المغايرة للمألوف . يتكرر فيها غالباً نمط واحد من الحدث ، ويصيبها داء التكرار التاريخي للحزن والمآسي .
في سياق دورته الحالية "الثامنة" التي صادفت هذا الشهر (10/11-20/11) تضمن المهرجان أفلام وثائقية فرنسية وانكليزية واسبانية وعربية وكردية من بلدان كثيرة في العالم . كان هناك فيلماً بعنوان " نساء جبل آرارات "الذي تدور أحداثه عن مقاتلات كرديات تعشن في جبال كردستان منذ سنوات طويلة وترفضن العودة أو التسليم قبل الإعتراف بحقوقهن وحقوق شعبهن الذي يعاني من التمييز العنصري والقومي والإنساني في تركيا . يحاول المخرج الفرنسي " أروان برياند " منذ بداية عمله هذا ، الإبتعاد عن أية رسالة سياسية أوالإقتراب من العالم الداخلي للشخصيات أو " الغريلات " ان صح التعبير . لكنه يرى نفسه أمام ذوات مرتسمة على خارطة السياسة والترميز ،لا بل ذوات مندمجة مع طبيعة وعرة من أجل السياسة ، فكيف الإبتعاد عنها . واحدة منهن تركت أوروبا وحرياتها الفردية المطلقة وتقول وبالفرنسية : " لم اجد حريتي سوى بين هذه الجبال التي تراها ، اصرخ كما اريد واحلم كما اريد " ، والأُخريات تركن المدن التركية المفتوحة امام كل شيء إلاّ السياسة والتكلم باللغة الكردية والتصقن بالجبال .
تروي كل " غريلا " تاريخها وقصتها مع السلاح وحرب العصابات وفق تقنيات سردية مقتضبة ، ولا تدخل بالتالي إلى تفاصيل مملة ، وكأن الحياة الجبلية القاسية والحذر والحراسة الدائمة حولت لغتها إلى جمل وأفكار قصيرة تتناسب مع إيقاع يومياتها . اما السؤال عن العواطف والحب والرومانسية ، فيتحول إلى الحديث عن الرمز أوعن ترميز الذات مع مفردات حرب العصابات . السلاح والجبال إذاً هما الصديق والحبيب ،أما الصخور فهي الوسادات . هذا ليس وصفاً رومانسياً ، بل صور حية تعيشها مقاتلات جبل آرارات . لم تستقطب أية حركة سياسية في منطقتنا عدداً كبيراً من النساء كما استقطبه حزب العمال الكردستاني . ولم تقم أية ثورة في العالم على ترميز وكبح الغرائز والعوالم الداخلية للإنسان كما فعلت الثورة الكردية في كردستان تركيا . والمستحيل كتعبير صادق لنساء نسين أسرتهن الزوجية المفترصة بعدما أصبحن مقاتلات ناعمات فيها ، فهو تماثل آخر بينهن وبين التاريخ . انها حركة سياسية آيديولوجية خصت ذاتها بتعبيرات وبمفردات خاصة . هذا مايريد الوصول إليه مخرج " نساء جبل آرارات " .فالمقاتلة في قمم جبال كردستان وهي تحمل السلاح وتخبئ انوثتها في زي حرب العصابات لم تخلقه سياسة حديدية كما هو الشائع ، بل جاذبية ذلك الترميز الرومانسي للأحلام وتلك المستحيلات التي طالما أصبحت ممكنة في جبال آرارات والقنديل . هناك إذاًخفايا واسرار تخفيها " البارتيزانات " الكرديات في علاقتهن بالثورة والمجتمع وفي رسائلهن المعبئة بالحب والشوق . لقد تركن العائلة وفكرة الزواج والجامعات والملذات والانوثة والمدن ( المدن الأوروبية أيضاً ) ليلتحقن ،لا بالثورة فحسب ، بل بعالم غير مؤثث وغير مهيأ لراحة الحياة اليومية . عالم مليء بالمستحيلات والأحلام والحراسة والقراءة واللهاث والأخبار عبر أثير الراديو ، لا مكان فيه لتلفزيون الحقيقة ( تيليه – رياليتيه ) والأشكال الأخرى من الفرجة . وسيلة الإتصال بينهن وبين العالم هي الرسائل والراديو ، لكن الأدب والسياسة ومذكرات قائدهن المكبل في جزيرة " إيمرلي " تربطهن بالتاريخ . مسلحات شابات ، يتجمعن في جغرافيا ضيقة بعدما ضاقت بهن دنيا العائلة والدولة والقومية ، ويرسمن لذواتهن حدود مجرّدة من " البريستيج الانثوي " ، ذلك انهن تركن مساحات جمال الجسد ورائهن ، وأصبح إحتمال الإلتجاء إليه لإبراز الانوثة منسياً . بالتالي إن هناك " انثى " مخفية وراء إرادة ترميز الأشياء ، الطفولة والأصدقاء والأمكنة والمفاهيم . تتحرك وفق سرد ذاتي للسياسة والآيديولوجيا ووفق صور ملتزمة - على غرار الكلمة الملتزمة - عن التواجد بين جبال متاخمة للرومانسية والحزن معاً .
تعليقات