مونتريال-خالد سليمان
كارلا ، إسم فيلم وفتاة وقاتلة ، دخل كل بيت في شمال أمريكا قبل ان تعيد له هوليوود إعتبار آخر قد يختلف عن صفات كارلا الأصلية . هي بطلة بورنوغرافية بامتياز وقعت في عز شبابها تحت تصرف شاب متشبع بالسادية الجنسية إسمه بول بيرناردو في إحدى ضواحي مدينة تورونتو الكندية . قبل الحديث عن الفيلم الذي أنتجته هوليوود في الفترة الأخيرة والذي يعرض حالياً في أكثر من مئة صالة سينمائية ، أود التطرق إلى سيرة هذه القاتلة وزوجها ومعذبها بيرناردو . وهي سيرة لا يبدو فيها الكتمان إلاّ شكل من أشكال تيليه – رياليتيه ، ذلك ان جميع قصص الإغتصاب التي تلاها القتل مصورة على أشرطة الفيديو وتبدو الحكاية بالتالي كفيلم مركب بين البورنوغرافيا والرعب .
في عام 1987 ، يغتصب " بول بيرناردو " ثلاث فتيات في منطقة سكاربوروغ الواقعة في ضواحي مدينة تورونتو ،وفي العام ذاته يتعرّف على "كارلا هومولكا" داخل مطعم في نفس المنطقة . من هنا تبدأ الرحلة الثنائية في الإغتصاب والقتل إذ تقوم كارلا بتسهيل وتصوير ومتابعة إغتصابات بيرناردو المتكررة حتى عام 1990 ويصل عدد المُغتصبات إلى13 إمرأة . في ليلة عيد الميلاد من عام 1990 يتم تخدير شقيقة كارلا الصغيرة "تومي" ثم يغتصبها بيرناردو وتموت في نفس الليلة خنقاً على يد القاتلين . في عام 1991 يختطف بيرناردو فتاة من عمر 14 سنة إسمها "ليسلي محافي" أمام بيتها ويعذبها بعد الإغتصاب ، وتموت بعد يومين من الحدث ثم يتم تقطيعها إلى قطع صغيرة وترمى في مجهول . بعد أيام معدودة من وقوع الجريمة تلك يتزوج القاتلان من بعضهما بشكل رسمي ويقيمان حفلة العرس .
في عام 1992 تُختطف الشابة "كريستين فرانج" وتتعرض أيضاً للإغتصاب ثم القتل وترمى جثتها في ذات المكان الذي أُختطفت فيه "ليسلي محافي" . بعد عام من ذلك الوقت تتعرض كارلا لضرب عنيف على يد زوجها وتعترف على اثر ذلك بجرائمه ضد فتيات منطقة سكاربوروغ .
تظاهرت كارلا هومولكا خلال التحقيقات في المحاكم والتي بدأت عام 1993 بأنها كانت الضحية ولم تشارك زوجها في عمليات الإختطاف والإغتصاب والقتل وأبدت إستعدادها للتعاون مع السلطات القضائية شرط تخفيف أية عقوبة ضدها . لكن الشرطة عثرت على مجموعة من كاسيتات فيديو في منزلهما تظهر دور كارلا الفعال في إغتصاب وتعذيب وقتل الفتيات الصغيرات وهي نفسها خنقت شقيقتها الصغيرة تومي عندما وضعت كمامة على فهما بينما كان بيرناردو يغتصبها .
بإستثاء بعض تغيرات طفيفة كأسماء الضحايا لا يبتعد مخرج الفيلم " جويل بندر " عن البيئات الإجتماعية والنفسية وتسلسل الأحداث ، لكنه يتجنب إبراز حقيقة شخصية كارلا ويحاول إظهارها كعقدة لا تتمكن الخروج من تلك الأجواء " الجرائمية " التي حبك خيوطها بيرناردو الذي حكم بالسجن مدى الحياة . وهو بالتالي فيلم يعيد الإعتبارالإنساني لأكبر مجرمة كندية في تاريخ البلاد المعاصر كما وصفتها وسائل الإعلام وفق شروط بسيكولوجية تضع الأفلام الأصلية المصورة لحظة حدوث الجرائم على أيدي المجرمين محل النسيان . من هنا تختفي بعض من تلك الأسرار التي كشفت عنها التحقيقات الجنائية والقضائية من خلال إعترافات البطلة البورنوغرافية والأشرطة المصورة، وأصبح المسلسل المحبوك وفق معايير " التيليه – رياليتيه " والأفلام البوليسية الأمريكية أثناء كل إغتصاب وقتل ، أصبح شيئاً فرضه " مُغتصب سكاربوروغ " كما لقبته الصحافة المحلية زمنئذ . ولا يشكل بالتالي مشاهد سينما داخل سينما أي بعد فكري وجمالي لبناء الفيلم الذي يتحدث عن سلسلة من الإغتصاب والقتل بالقرب من شلالات نياغارا . ومن تلك الأشياء البارزة في القصة الواقعية هو تغيير كل من بيرناردو وكارلا إسميهما وإختيار " تيل " إسماً لهما في بداية التسعينات وقد استلهما هذا الإسم من شخصية فيلم "جريمة قانونية " مارتن تيل . وكانت شخصية تيل التي جسدها الممثل " كيفن بيكن " عام 1989 بارعاً في تنفيذ سلسلة من عمليات القتل واستطاعت خداع الجميع حول ماضيه، منهم محاميه الخاص ، وظهر حراً في النهاية .
كان إختيار إسم تيل وتصوير كل فعل قاما به بطلان لفيلم منزلي على غرار أفلام التيليه- رياليته عنصراً مهماً لكشف الطبيعة الإجرامية لكل منهما خلال التحقيقات . لكن المخرج جيل بندر يقول : كارلا في هذا الفيلم هي عقدة ولا أعرف لماذا فعلت كل تلك الأشياء .ومن ضمن العناصر الأُخرى التي تجاهلها المخرج هي سيرة القاتل التي تميزت بالعنف العائلي وضرب الأُم والإغتصاب أيضاً . وكان الأب " كينث بيرناردو " سكيراً وعنفياً مع زوجته قبل إنفصالهما وسبق أن اغتصب فتيات صغيرات في سكاربوروغ ذاتها . وكان للصحافة الكندية الإنجليزية والفرنسية دور فاعل في كشف هذه الخيوط التي أخفاها " جويل بندر " في الفيلم . ويمكننا القول بالتالي هنا ان تجاهل أبعاد الشخصيات الإجتماعية وبيئاتها البسيكولوجية قلل من القيمة الفكرية والفنية للعمل , ذلك انه اعتمد بعد واحد في إظهار الشخصية الداخلية لبول بيرناردو وهو الجانب السادي المنفصل عن الماضي ، وكأن الحاضر ولد مع لقاء البطلين .
لقد رفص مهرجان مونتريال الدولي للسينما الفيلم بعدما أدخله ضمن برامجه خريف عام 2005 ، والسبب هو ان لا يزال أهالي الضحايا يعيشون تحت تأثير الصدمة ويجب إحترام حزنهم الإنساني على بناتهم اللواتي أُغتصبن وقتلن بأشبع طريقة ، ثم ان البطلة القاتلة كانت خارجة من السجن تواً حينئذ ( صيف 2005 ) إذ عادت الأجواء إلى زمن وقوع الجرائم في سكاربوروغ . لكن منتج الفيلم ميكايل سيلر ومخرجه بندر أستطاعا أخيراً ومن خلال محامي بارز في مدينة تورونتو إختراق سوق السينما وعرض فيلمهما في أنحاء البلاد بستثناء منطقة سكاربوروغ حيث يسكن أهالي الضحايا .
تعليقات