خالد سليمان
وكأننا أمام مشهد مسرحي في قرية نائية لا يسمح للنساء المشاركة فيه، فيقوم الرجال بدلاً منهن بتأدية دورهن بكامل أدوات
الانوثة الجسدية، والملابس والإكسسوارات والابتسامات الخجولة ضمناً. حين أعلنت القناة التلفزيونية الكندية (راديو وتلفزيون كندا) عن عرض فليم بعنوان «غلمان أفغانستان» خطر لي بأن الموضوع يقتصر على روايات شفهية وحكايات منقولة عن ظاهرة «المثلية» التي طالما تميز بها المجتمع الأفغاني أكثر من غيره من المجتمعات، إنما كان الفيلم الوثائقي الذي أنجزه صحافي أفغاني اسمه «نجيب الله قريشي» تسجيلاً لتفاصيل حياة رجال يقتنون صبية ويتحدثون عنهم برومانسية أمام الكاميرا بشيء من الفخر الرجولي.
رجال مدججون باللحى والشوارب والتاريخ الجهادي, يبحثون في الأسواق والدكاكين وأماكن لهو الصغار عن فرائس لهم. وصبية يحلون قسراً محل النساء ويتقنون لعبة إثارة الغرائز بهزّ الكتف والخصر. كل واحد منهم يروي قصته بأسلوب يضع التاريخ والمجتمع أمام مشهد غرائزي، لو جسدته النساء لقتلن ونكل بهن أمام أنظار الجميع.
في كتاب «ورّاق كابول» تلجأ الكاتبة والصحافية النرويجية «آسني سييرستاد» لذاكرة غنائية حزينة لوصف نساء مناطق «بشتون» حين يخيرن بين الغناء أو الانتحار. وملخص االفكرة هو ان النساء في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة «الطاليبان» الاجتماعية والايديولوجية كما ترويه الكاتبة النرويجية في الكتاب الذي صدر عام 2004، لديهن طريقتان للتعبير عن أنفسهن ورغباتهن في الحياة وهما الغناء في الحقول الزراعية بعيداً عن المجتمع وعيون الرجال، أو الانتحار ان ظهرت تلك الرغبات إلى العوالم الرجالية. بينما في فيلم «غلمان أفغانستان» لا يحلو لصبية العوالم الفقيرة سوى انتحال الانوثة أمام الأسياد الجدد، والجمهوره الذكوري بطبيعة الحال؛ أو الموت فقراً إذ يُقتل الصبي أو يُخطف أو يُغتال بصمت مطلق حين يريد التخلص هذه العبودية الجديدة.
يستحضر فيلم «غلمان أفغانستان» هذه الفكرة بقوة، ذاك ان غياب النساء وراء كل تلك التقاليد الاجتماعية القاسية وملمحها الأبرز الذي يسمى بـ«البرخة» أو الجادر، يقتضي صناعة شبيه الغائب أو الغائبة بين الصبية في الأرياف والأحياء الفقيرة في المدن. ولا يكمن أصل المشكلة بوجود المرأة في حياة الرجل، بل بحضورها في فراغ مؤجل يربط المجتمع بقهر تاريخي مجزأ في ما خص اللذة والجسد. وفي هذا الفراغ إذ يروض فيه أولاد الفقراء ويتم تعليمهم الموسيقى وفنون الرقص والنعومة، تطغى فكرة «بَچَه بازي» أي اللهو مع الصغار، على كل من يريد إمتاع حياته اليومية والظهور أمام زواره أو جمهوره التواق لمشاهدة انوثة مُنتَحَلة.
لا يبدو الراقص الأفغاني في فيلم اللهو مع الصغار (بَچَه بازي) بديلاً مؤقتاً للمرأة بل هو بديل مؤجل يتكرر مثل قصص شهرزاد في ألف ليلة وليلة، ذاك انه ببساطة حالة يقتضيها «الاستسياد» والاستملاك. والحال هذه، ليست المشكلة في غياب المرأة في حياة هذا السيد الأفغاني الجديد كما يتضح في الفيلم، بل في أصول الظاهرة المسماة بــ«بچه بازي»، والتي ترتبط بالوجاهة الرجولية الاستعراضية. تتضح هذه الفكرة حين يسأل الصحافي رجلا كان في السابق مقاتلا في صفوف إحدى الحركات الإسلامية، إذا كان يمارس الجنس مع الصغار فيجيبه بالنفي ذاك انه رجل متزوج، إنما يحب الغلمان (حسب تعبيره) أيضاً.
نشر هذا المقال في صحيفة السفير اللبنانية في عدد اليوم 11/08/2011
تعليقات