توفيق التميمي
حرضتني قراءتي لكتاب الصديق خالد سليمان (الانفال حكايات من زمن مستقطع) على تأمل الازمنة المستقطعة من حيوات ضحايا آخرين لم ترد اسماؤهم ولا ملامحهم في قوائم الكاتب الذي يشغل نفسه ويكرس مواهبه لاقتفاء أثر الضائعين في سرابات الازمنة المستقطعة، فأرضنا العراقية وعلى اثر اغتصابها من الدكتاتور انجبت ازمنة مستقطعة كثيرة توزعت بعدالة يتيمة على تنوعاتها الجغرافية واختلافاتها الاثنية.
الزمن المستقطع يعرّفه الكاتب بأنه زمن مخلوع من ذاكرة التاريخ بفعل فاعل ومع سبق الترصد والجرم المشهود، زمن مبهم لا نمتلك من ادلته الثبوتية الا شواهد خرساء وضحايا مستلبين في عقولهم وارواحهم، هو حياة سرقها الجلاد من ضحيته بكل ما فيها من مسرات ووداعة وأحلام صغيرة وافراح عابرة، تبدأ تقاويمها من لحظة انتهاك مباغت للضحية الآمنة وهي في طريقها الى حقلها الاخضر او جلوسها على مصطبة عشق او سائرة مع تجحفل انساني تجاه الفجر لصناعة غبش الحياة، هناك يترصدهم قتلة الأزمنة المستقطعة من جنود ومخبرين وخونة وقوادين ويشحنونهم بشاحنات الموت الى معسكرات جهنمية لاعودة منها وتجري وقائع الزمن المستقطع التي لا يمكن ان ترتقي لروايته اخصب المخيلات الروائية، حيث عادة ما تبدأ بسيناريوهات غرائبية من الاذلال والتنكيل والمهانات تعرض لها أجساد وأرواح الضحايا الابرياء ضمن تقاليد متوارثة من سلطات متوحشة برعت في استقطاع ازمنة مواطنيها الابرياء بدوافع عرقية او عنصرية او اقصائية، تغذيها احط النوازع الحيوانية الكامنة في الجسد الانساني بتهييج من لذة السلطة وشهواتها الحيوانية.
الزمن المستقطع زمن تخيلي يوتيبي ملامحه الرعب والوحشية والقسوة المتناهية، قد تنتهي رحلات التنكيل بأبشع سيناريوهات الموت وأكثرها وحشية كمراسم الدفن الجماعي للاحياء في مقابر معدة سلفا وبأداء متقن لفرق الاعدام، رمي الاطفال الى الكلاب أمام مرأى أمهاتهم وجداتهم من قبل حراس غلاظ لايطيقون صبرا على صراخات الطفولة او التياعاتها الشجية، اغتصاب دنيء لاجساد انثوية غضة منتفخة بتورمات الكيبلات وركلات الحرس، هذه بعض من سيناريوهات مفترضة يدونها مدون الذاكرة المقطوعة بصعوبة ويلتقطها من همهمات الضحايا الخرساء او مما تركه الجلاد على جسد الضحية من علامات.
كم من الازمنة المستقطعة في تاريخ بلادنا جرت وقائعها في ظلمة داكنة وسرية بالغة ودولة مغلقة على رعاياها المرعوبين والخائفين غير هذه الفضائح المعروفة في الجبال أو الاهوار أو الاقبية المظلمة في بنايات الامن والمخابرات التي لاتعد ولاتحصى؟!
إذن سوف لاتقرأ اجيالنا تاريخا حقيقيا بل تاريخا آخر يجاوره او يقترب منه لان ابطالها فقدوا اصواتهم في صخب الرعب لدورات الزمن المستقطع.
على من تقع مسؤولية اقتفاء اثر ضحايا الازمنة المستقطعة وإعادة الاعتبار لحيواتهم التي يشكل انتهاكها تاريخا فضائحيا من العار والخزي للقتلة والمجرمين والطغاة الذين حكموا هذه البلاد ولم ينالوا عقوبة تستحق تلك الجريمة؟.
هل سيتمكن مدونو الذاكرة وموثقو الشهادات من استرجاع يوميات الازمنة المستقطعة من روزنامات تاريخنا ويوميات ضحايانا وسط هذا الغياب المريع والاختفاء القسري لدلائل الجرائم والانتهاكات التي شهدتها تلك الازمنة المستقطعة من تاريخ ضحاياها وتاريخ البلاد كلها؟ سؤال موجه للذين يشغلهم مشروع الوفاء لامانة ذاكرة شعوبهم المنسية.
عن صحيفة "الصباح" العراقية 16/1/2012
تعليقات