خالد سليمان
حين كلف بمهمة الإشراف على فريق الأمم المتحدة الصغير وغير المسلح في رواندا عام 1994‘ لم يعرف الجنرال الكندي المتعاقد "روميو داليير" موقع رواندا الجغرافي وكان سؤاله هو‘ اين تقع رواندا‘ في أفريقيا أليست كذلك؟. كما أنه لم يعرف بأنه يذهب إلى هناك كي يصافح الشياطين ويرى مذبحة قلّ نظيرها في العالم إذ قتل فيها ما يزيد عن 800 ألف إنسان وكانت السبب في تشريد أكثر من ثلاثة ملايين آخر.
في كتاب له عن تلك المذبحة الرواندية بين قبائل الهوتو وأقلية التوتسي بعنوان (لقد صافحت الشيطان)‘ يلقي الجنرال الكندي قسماً كبيراً من اللوم على المجتمع الدولي في حدوث تلك المأسآة الكبيرة' ذاك أن الروتين في مكاتب الأمم المتحدة ومجلس الأمن‘ كان أكبر من إرادة التدخل لإبعاد الشياطين عن رواندا.
كما أنه يخصص صفحات كثيرة عن الفريق الصغير الذي كان يقوده في دهاليز تلك البلاد دون وجود القوة والعدد الكافيين لإيقاف القتلة. اقتصر عمل الفريق الدولي إختصاراً‘ على توثيق القتل وليس منعه حصوله.
يذكرنا ذلك بالأحداث المأساوية في سوريا اليوم، حيث يقتل الناس العزل في قراهم على أيدي قوات نظامية وميلشيا مدرّبة -مذبحة قريتي الحولة والقبير والحفة نموذجاً-‘ ذلك أن الروتين الدولي الذي تفرضه كل من روسيا والصين حيث تعترضان على أي تحرك من شأنه إيقاف حمامات الدم‘ أصبح اليوم واقعاً ملاصقاً بتطور الأحداث في سوريا. كما أن فريق المراقبة الذي لا يتجاوز عدد أفرادها 300 شخصاً‘ لا يملك السلطة ليس في منع القتل فحسب‘ بل حتى في مراقبة ما يحدث من المذابح يومياً وتوثيقها كما تم من قبل فريق الجنرال الكندي.
وقد ظهر للعيان كيف أن الحكومة السورية منعت المراقبين الدوليين من الذهاب إلى قرية "القبير" بعد الهجوم الوحشي الذي تعرضت له إلاّ بعد يوم من الحدث. وفي أثناء مجزرة "الحولة" أوضح قائد المجموعة روبيرت مود‘ بأن أعداد المراقبين لا تكفي لمراقبة جميع مناطق سوريا‘ كما أنها لا تملك السلاح ولا السلطة لمنع حدوث المجازر. تالياً‘ لا فرق بين هذه التصريحات والتصريحات التي كان يدلي بها الجنرال الكندي روميو داليير عام 1944 في رواندا‘ إذ كان يتجول بين مكاتب الأمم المتحدة وبين عاصمة رواندا كيغالي دون الحصول على شيء من شأنه إيقاف الإبادة الجماعية في تلك البلاد الخضراء كما يصفها في كتابه المذكور.
ما يميز الأوضاع السورية الراهنة‘ هو عدم إكتراث جزء من المجتمع الدولي‘ روسيا والصين وتوابعهما تحديداً‘ في الإعلان عن نية إطالة عمر المجازر ضد الناس العزل في سوريا‘ فيما لم يكترث المجتمع الدولي برمته في إعلان النية ذاتها فيما خص رواندا. وليس سهلاً اليوم الحديث عن حرب أهلية في سوريا وتغيير مسار الثورة نحو نقطة مجهولة أو قاتمة‘ إنما الأحداث الجارية تشير بشكل واضح إلى أن النظام البعثي إذ بذل و يبذل ما بوسعه لإشعال حرب طائفية‘ فرض واقعاً لا لبس في أنه يتجه نحو تمكين عناصر الشرّ في إختراق جسد الثورة. وذلك من خلال إطلاق يد ميليشيات غير نظامية لا تتردد في القتل وجعله روتيناً يومياً‘ كما كان هناك أعداد كثيرة من المجرمين تم إطلاق سراحهم مع إندلاع شرارة الإحتجاجات لتشكل يداً خفيةً لا تختلف عن تلك الأيادي التي أسماها روميو داليير بالأيادي الشيطانية في رواندا.
وقد يقول البعض بأن الحرب الدائرة في سوريا هي حرب الدولة على المجتمع وليست حرب طائفة ضد أخرى‘ إنما يمكن القول ايضاً‘ بأنها حرب سلطة طائفية على المجتمع‘ ذاك ان الدولة انسحبت في حياة سورية السياسية منذ ان استلم البعث الحكم في البلاد.
قصارى القول :"تتحمل السياسة الروسية مسؤولية إدامة عمر القتل اليومي وإطالة بقاء سلطة لم يتبق في خزينها السياسية سوى الورقة الطائفية. ولا يستبعد أن تحرق هذه الورقة البلاد وتحولها إلى رواندا ثانية‘ خاصة أن هناك روتين دولي بإسم خطة كوفي أنان إذ كان مسؤولاً عن جزء من ملفات رواندا من جانب‘ وممانعة روسية لأي تغيير من شأنه تقليل الخسائر ومنع البلاد من التوجه نحو الهاوية.
تعليقات