حاوره في كردستان: فتح الله حسيني
يندرج اسم الكاتب والصحفي خالد سليمان، ضمن جدول قصير من الكتاب والصحفيين الكرد الذين أرخوا لمرحلة الأسى الكردي، وذلك في تقديم صورة الكردي ومأساته وسواد مصيره بأمانة تامة للجار العربي عبر إعلام الآخر، المنتشر، ذلك الإعلام الذي تغافل كثيراً، بقصد، عن مأساة الكردي الاستثنائية أبان نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، كما وقدم سليمان، الكاتب، رونق الأدب الكردي مترجماً الى اللغة العربية في أبهى صوره، في ثنايا تلك الصحف التي كانت قلما تلتفت الى اسم الكردي ولو بطريق الخطأ.
خالد سليمان الذي هو خريج معهد الفنون الجميلة / قسم الاخراج المسرحي، وعمل في الصحف الكردية، أوان انطلاقتها الرسمية، أي انطلاقتها من المكاتب، وكتب بكثافة في الصحف العربية الكبرى مثل: السفير، الحياة، ملحق النوافذ في المستقبل البيروتية، عمل بعد منفاه القسري بين دمشق وبيروت وكندا، أثناء عودته النهائية الى أرض كردستان مديراً لتحرير الوثائق بمؤسسة الذاكرة العراقية، بالاضافة الى عمله المتواصل في يومية "كوردستاني نوي"، فضلاً عن عمل كمدرب في المركز الاعلامي المستقل في كردستان.
التقيته في مكتب صديقنا المشترك الأستاذ ستران عبدالله رئيس تحرير "كوردستاني نوي" وكان هذا الحوار:
*لنبدأ من اصدارك الأخير الذي قدمته وحررته بعنوان "كنوز العراق" من تأليف مجموعة من الصحفيين العراقيين، ما الذي دفعك بعد كل هذه التجربة الصحفية الى أن تكون محرراً لكتاب شبه اقتصادي؟.
-الهدف من المشروع هو جعل موضع النفط والموارد الطبيعية وموضوع المياه موضوعاً حيوياً، لانه بكل بساطة نشاهد في المشهد الصحافي اليومي، صفحات اقتصادية هي صفحات مهملة، بل هي صفحات مخصصة للاقتصاديين فقط، انما هذه الصفحات بالدرجة الأولى يجب أن يهتم بها المواطن العادي لأنها صفحة تتعلق بالحياة اليومية، واحتياجات اليومي، مثل: النفط، المياه، المواد الغذائية، هذا الكتاب هو أساساً نتاج ورشات عمل متواصلة، مولتها منظمة أوروبية، ومنظمات داخلية في اقليم كردستان والعراق، حيث أني كنت في هذه الورشات مدرباً صحفياً الى جانب مدرب بريطاني، وبالتالي كل ما جاء خبير في مجال النفط أو المياه وتحدث خلال ساعة أو ساعتين خلال تلك الورشات، كان الطلاب والمشاركون يبدأون بالكتابة عن فحوى وجدوى المحاضرة، لأن الخبير ربما يقدم معلومات قيمة حول المياه في العراق مثلا أو في كردستان، أو التطرق الى العقود النفطية أو مسألة الشفافية، فنحن لم نحصل على هذه المعلومات حول هاتيك المواضيع بسهولة، لذلك كان هذا الكتاب الذي حاولنا قدر الامكان الاستفادة من معلومات تلك الورشات.
*أي أن الكتاب ليس مجموعة مقالات؟
-لا ليست مجموعة مقالات، بل هي مجموعة محاولات أو مجموعة قصص صحفية يعني يمكن أن يقرأها باحث اقتصادي كي يستقرئ منها معلومات، ويمكن أن يقرأها أي مواطن عادي، فيكون مطلعاً ماذا يحصل في البلاد مثلاً، فهنالك مثلا قصة عن امرأة عراقية عادية، في ساحة التحرير ببغداد، وهي تشارك في احتجاجات مثلاً، بيدها جيتانين فارغين للنفط، فهنالك دلالة، مثلاً في بلد معروف كالعراق ببلد النفط، تحتج امرأة على شخة النفط، هذه دلالة رمزية، هي ليست دلالة اقتصادية فحسب، بل دلالة اجتماعية، ودلالة سيساسية ودلالة يومية لحياة المواطن العراقي.
*بين الكتابة الصحفية في جرائد العواصم العربية ومن ثم تنقلك الى كردستان، والبدء بمرحلة المسؤولية في التحرير، حبذا لو تتحدث عن هذه العلاقة الخاصة، وكيف تتقاطع تجربتك الشخصية في الكتابة بهوس والكتابة بقلم مسؤول صحفي؟.
-لنبدأ بالصحافة العربية مثلاً، أنا دخلت الى الصحافة العربية بطريق الصدفة، دون محاولة جادة مني في هذا المضمار، أنا انوجدت في ظروف واقع يومي في مدينة كبرى مثل مدينة دمشق، ولم تكن هنالك صحافة كردية، أو اعلام كردي، وأنا ككاتب كان لي طموحي وحقي في المشاركة في المشهد الصحافي والثقافي، وخاصة أن هناك أخبار ومعلومات كثيرة عن الكرد في الصحافة العربية وبشكل خاص الصحافة العربية في لبنان أو لنقل الصحافة البيروتية، بدأت بكتابة مواضيع فنية وثقافية عن الأدب الكردي، ولكن من خلال التجربة اليومية وواقع الحياة اليومي في سوريا ولبنان دخلت الى معترك حياة سياسية أو لأقل الى سجال سياسي، أتذكر الى الآن السجالات هنالك، وخاصة حول المقالات التي كانت تكتب من قبل بعض الكتاب الشوفينيين العرب، أو الكتاب العرب حول دور الكرد في كردستان العراق، وكيف أن كردستان تحولت الى اسرائيل ثانية بمفهومهم الضيق والى ما هنالك من عناوين استفزازية، كنت أرى نفسي، ملزماً بالكتابة عن هذه المواضيع الى جانب مواضيع أخرى، كان يتجاهلها المثقفون العرب أو الثقافة العربية برمتها، مثل موضوع جرائم الأنفال، مثلاً.
*ككاتب اشتغلت كثيراً على تقديم صورة جرائم الأنفال على حقيقتها في الصحف العربية، كيف كان تقبل الأخر، العربي في تقبل هذا المشهد الأسود لجاره الكردي؟.
-أنا بصراحة لا أعرف هل تقبلوا هذه الصورة السوداء أو لم يتقبلوها، أو تلك القصص والحكايات التي نشرتها في الصحف العربية، ولكن أستطيع القول انه في الوسط اللبناني، هنالك أصدقاء كثر، وصحفيين وكتاب وشعراء، فعلاً تقبلوا الفكرة والفعل وعرفوا حجم مأساة الأنفال بالنسبة لجارهم الكردي، ومن ثم كتبوا عنها، مثل عباس بيضون، داوود حسن، الياس خوري، وكتاب آخرين، وأتذكر هنا حواراًً بيني وبين عباس بيضون، ولمن أنشر حيثيات هذا الحوار ولكنه قال بأنه لم يعرف عن جرائم الأنفال الا بعد قراءة كتاب "القسوة والصمت" للكاتب كنعان مكية، ومن ثم عرف قصص وحكايات أخرى من خلال السلسلة الصحفية التي كنت أنشرها في جريدة "السفير" التي كان يشرف على صفحتها الثقافية عباس بيضون، وما كنت أنشره في ملحق "النوافذ" الأسبوعي في يومية المستقبل وجريدة "الحياة" اللندنية، أستطيع القول أن الصحافة اللبنانية هي الصحافة الوحيدة التي فتحت أبوابها وصفحاتها لمثل هذه الآلام وليس الصحافة الخليجية ولا السورية.
*ما الذي اكتشفته في كردستان من جديد، في ظل المشهد الصحافي العائم على بحر من الصحف والدوريات.
-أنا طبعا انطقعت عن الصحافة الكردية لمدة طويلة من العام 1995 الى 2005 أي عشر سنوات، وخلال هذه السنوات كنت أرسل بين فترة وأخرى، مقالات الى الصحف الكردية مثل: صحيفة "كردستاني نوي" وصحيفة "آسو"ومن ثم انقطعت، وعندما خرجت من كردستان كانت هنالك صحف معدودة، تعد على أصابع اليد الواحدة، ومع عودتي الى كردستان في زيارتي الأولى في العام 2006 أكتشفت أعداد كبيرة من الصحف، تصدر هنا، وفي العام 2009 وجدت صحف ودوريات كثيرة جداً بين دوريات أسبوعية وشهرية، حيث عملت في مؤسسة "خندان"، نعم، بالفعل كان هنالك عدد هائل من الصحف والدوريات والمطبوعات وعدد هائل من الصحفيين، فكنت أحياناً أصطدم بالمطبوعة، سواء على المستوي التقني أو على مستوى التحرير، وحتى بالنسبة الى المواضيع المطروحة، فأنا في بداية كتاباتي الصحفية كنت أعتمد على المصادر والاعتماد على أكثر من مصدر فقط لأكتب مقال صحفي أو تقرير صحفي أو تحقيق صحفي، أما الآن، هنا، فلاحظت أني أقراً تحقيقاً صحفياً دون وجود مصدر، وإن وحد فمصدر واحد ووحيد لا أكثر.
*أليس هذا استخفافاً بعقل وثقافة القارئ؟
- بكل تأكيد هذا استخفاف، للقارئ ولذوي المهنة من الصحفيين، بالاضافة الى اشكالية أخرى، هي الدمج بين الرأي السياسي وبين نقل الخبر، فمثلاً نرى ونلحظ أن الصحفي ينقل رأيه قبل أن ينقل رأي المتحدث، أو المصدر، أو الناقل للمعلومة، فينقل رأيه الشخصي، وهم بذلك لا يقدمون الصحافة بمهنيتها.
*هذا الكم الهائل، في صدور الدوريات والصحف، يجعلنا نلحظ أنه حتى القارئ الجاد لا يستطيع أن يبتاع هذا الكم الهائل من الصحف والدوريات، للمتابعة على الأقل؟ لماذا كل هذا البذخ؟
- طبعاً بصرحة هنالك اشكالية فيما يخص هذا الموضوع، هنالك عدد هائل، نعم، والقارئ الكردي لم يعد يهتم بما يكتب وينشر، طبعاً هذه هي الاشكالية، هنالك أسباب كثيرة، حيث وجود شبكات وقنوات أخرى للحصول على المعلومة من التلفزيون الى الراديو والانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن عدم مصداقية بعض التقارير التي تنشر في بعض الصحف الكردية، فوصلت الأمور بالتالي الى مستوى هابط، حيث وصل بالبعض الى مستوى الشتم ونشر الأكاذيب ورمي الاتهامات جزافاً على صفحات الجرائد، وحتى المساس بالامور الحساسة في الحياة الشخصية، بالاضافة الى المواضيع الأخرى من تحريض وجذب فارغ، في أن تضع مانشيتات عكس المتن، أي التضاد، وكل هذا يؤثر على مصداقية الصحافة.
*كيف ينظر خالد سليمان الى المشهد الصحافي العراقي؟.
-المشهد الصحافي العراقي يعاني من نفس الاشكال التي يعاني منها الصحافة الكردية وبجرعة أكبر، الآن الصحافة الكردية بدأت تفرز نفسها، ومراجعة ذاتها، ومراجعة نوعيتها على الأقل البعض منها، بالاضافة الى نوعية الكتابة واختيار الكاتب وحتى نوعية الطباعة، أما الصحافة العراقية فتكمن مشكلتها في عدم وجود مهنية في هذا المجال، هنالك اشكالية الطغيان الطائفي، الفاقع على المواقع الالكترونية والصحف والدوريات، فلا تندهش مثلاً عندما تجد قناة فضائية كاملة خاصة بممارسة طقس ديني، أو ممارسة طقس طائفي، فكيف نقيم هذا المشهد. أنا كنت أدرب في الموصل مجموعة من الصحفيين، والموصل كثاني أكبر مدينة في العراق يصدر فيها الكثير من الصحف، ولكن مستوى المقالات والمواضيع هابط ومطروق كثيراً، وكان ذلك واضحاً على طريقة تعامل أولئك المتدربين مع المهنة.
*تجربتك الصحفية مع أسبوعية "هفتانه" التي ترأست تحريرها لعام كامل؟.
- تجربتي في أسبوعية "هفتانه" لمدة عام واحد، كانت بالنسبة لي تجربة غنية على المستوى الشخصي، أنا ببساطة استطعت أن أنقل ما يحدث وراء الكواليس الى المجتمع الكردي عبر القارئ، فأولينا الاهتمام أكثر بمواضيع لا تهتم بها الصحافة العراقية، مثل : الوقوف حيال البيئة والأمن الغذائي، والأمن الصحي، وحتى ظاهرة قتل الغزلان والحيوانات البرية والطيور، فهذه الظواهر المهمة لم تكن تعني شيئاً بالنسبة للصحافة العراقية، رغم أنها من أولويات الصحافة الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها.
*" هفتانه" كانت تجربة رائدة، لماذا توقفت؟.
- يتعلق هذا الأمر بممول المشروع، فالبنهاية المشروع لم يكن مشروعي، فقد تم اختياري رئيساً للتحرير، وأديت واجبي وأنا الآن مرتاح بالعمل الذي قمت به في نقل المعلومات، بالاضافة الى أننا أستطعنا تقديم المشهد السياسي كما هو، وركزنا على ما يحدث خارج كرستان والعراق وما يحدث في العالم، من حيث الوقوف حيال الأزمة الغذائية والأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم، وتطرقنا باهمية بالغة الى مشكلة الاحتباس الحراري، وموضوع شحة المياه، حقيقة كانت مجلة جامعة تهتم بمواضيع مهمة في البلد وخارجه، بالاضافة الى أنها كانت تطبع في العاصمة الأردنية عمان، ثم انتقلت الى كردستان، ومع ذلك احتفظنا بنفس الجودة والتقنية من حيث الطباعة.
نشر هذا الحوار الذي أجراه الكاتب والصحفي فتح الله حسيني في العدد الأخير من مجلة إشراقات كردية الصادرة في القاهرة
تعليقات