خالد سليمان
الجمعة ١ فبراير ٢٠١٣
يمكن اقتضاب مشهد المسيرات المؤيدة للحكومة العراقية في بغداد في ١٩كانون الثاني (يناير) بشعار واحد أو اثنين لا غير، وهما: «المالكي مختار العصر» و«انصروا مختار العصر»، وهما كانا الأبرز والأكبر حجماً وعلواً ورؤيةً بين كل اللافتات المرفوعة من قبل حشود نوري المالكي. وإن كان هناك رد مباشر وفج على تظاهرات واحتجاجات محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين في هذا الشعار في ساحة التحرير في العاصمة، فإنما هو في الواقع تأصيل للمشهد السياسي في مصر وسورية ولبنان، إذ يتم الرد على أي تظاهرة، مطلبية كانت أو سياسية، بمسيرات «نعم» يراد فيها استرداد إمكانات القائد المهدورة، وهي في الأصل نوع من المقامرة السياسية، إن جاز التعبير، ذاك أنها تعتمد مبدأ ضع ما لديك من الأوراق المتبقية، وقد «تنقلب» اللعبة لمصلحة من يخسر بطبيعة الحال.
إذا صدقنا هذا الشعار، واعتبرنا رئيس الوزراء نوري المالكي مختار العصر العراقي هذا، فيضاف إليه ما يضاف من التصدع والأزمات، المتمثلة بأزمة مستفحلة مع إقليم كردستان وتهميش المناطق «السنية» سياسياً واقتصادياً، كما يضاف إليه مقتل النائب عن القائمة العراقية عيفان العيساوي في الفلوجة وشيخ عشيرة الجبور محمد طاهر العبد ربه في هذا الشهر أيضاً، ناهيك بالتفجيرات اليومية والاغتيالات والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وتوزيع وزارة الداخلية استمارات خاصة بحيازة السلاح وحمله لأكثر من 150 من شيوخ العشائر، بينهم زعماء قبليون من الأنبار. تالياً، إنه مختار الأزمات والتهميش والاستفراد بالسلطة والانتهاك وتسليح العشائر، وانعدام الخدمات في مجالات الصحة والتربية والتعليم والكهرباء والمواصلات، ولا ننسى بطبيعة الحال ضرب الخصوم السياسيين بكل الوسائل، والوسائل غير المشروعة في اغلب الأحيان.
ما يثير الانتباه، والسخرية ضمناً، هو أن مختار العراقيين يتحدث في مناسبة وغير مناسبة عن الشراكة وإيصال البلاد إلى بر الأمان، فيما تلوح معطيات الواقع السياسي تحت إمرته إلى كارثة قادمة تعيد البلاد إلى عامي (٢٠٠٦-٢٠٠٧)، إذ طغى فيهما القتل الطائفي على كل المفاهيم الوطنية والسياسية.
والأكثر إثارة للسخرية هو أن هناك اتفاقاً بين النخب العراقية جمعاء على إخفاء ملامح هذه المرحلة «العراقية» التي يشكل التصدع «المزمن» أحد عناصرها الأساسية. وفي هذا استحواذ على ما يمكن وصفه بواقع العراق المتغير وفقاً لخصائصه المحلية المشتتة وتبديله بانتقائية نخبوية، أو داروينية سياسية إن صح الاستخدام، وذلك من اجل عراق موحد، إنما في وحل التصدع الطائفي. وفيه أيضاً الاستفراد بالسلطة وفرض ما يمكن تمسيته بأيديولوجيا دينية مذهبية ممزوجة بثقافة قومية اجتماعية تتصل بالأصول العشائرية قبل السياسة وثقافة إدارة الدولة. لم يعد خافياً على احد أن التفكير بمستقبل العراق يستوجب الولوج في أحاديث السياسيين غير المعلنة في أغلب الأوقات، ذاك أن التفكير بصوت عال في البلاد أصبح تهمة جاهزة، ولا أحد بالتالي يستطيع الإعلان عما يفكر فيه وما يراه مناسباً كبديل لمختار العصر والراهن العراقي الآيل للتشتت والتفكك. «فأين المفر؟» إن استعرنا سؤال طارق بن زياد التاريخي؟
كثيرون من السياسيين العراقيين والمحيطين بهم يلوحون في اجتماعاتهم الخاصة بالعودة إلى مشروع بايدن-بيكر عام 2006، حيث تمت الإشارة إلى تقسيم العراق كحل من الحلول المطروحة للعراق، ولكن لا ينطق أحد منهم بما يفكر به في «الجلسات الحميمة»، ويخفيه ضمن المخفيات الأخرى التي يتآكل فيها المجتمع والدولة العراقيان. ولئن كانت وصفات مثل الوطنية والشراكة السياسية والديموقراطية التوافقية، أصبحت استهلاكاً في وحل التصدع لا أكثر، صار اللجوء إلى خلق الأزمات جواباً على كل شيء، وإلا فما الذي يدفع رئيس الوزراء إلى تحشيد جمهوره للمسيرات كردّ على احتجاجات الأنبار والموصل وصلاح الدين؟ إنه سؤال يعجز مختار العصر والمحيطون به عن الإجابة عنه، ذاك أنه حائر في أمره حقاً.
تعليقات