Add captionيوسف نبيل، "ناتاشا تدخل النارجيلة، القاهرة ٢٠٠٠ |
هذا العنوان هو اقتباس.
إنّه الشعار الذي رفعته الشابة الناشطة النسوية التونسية، أمينة اسمها،
بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمي. الشّعارات تُكتب بحروف كبيرة وتُرفع
في التظاهرات لكي تُلفت الانتباه إليها، إلى المقولة المدوّنة في الحروف.
لم يكن هذا الشعار ليصل إلى مسامع أحد لولا الوسيلة التي اختارتها أمينة
لإيصاله إلى الرأي العام.
ولأنّ الحديث يدور حول جسد المرأة، وحول امتلاك المرأة لجسدها دون أن
يكون هنالك أيّ فرد من البشر يعتقد أنّه هو وصيّ على جسدها، فقد اختارت
أمينة أن يكون جسدها هي بالذّات الأرضية التي تحمل هذه المقولة إلى الرأي
العام. ولأجل هذه الغاية، التظاهرة، فقد خلعت ما يستر نصفها الأعلى وخطّت
بحروف عربية على صدرها: ”جسدي ملكي، ليس شرف أحد“، ونشرت الصورة على شبكات
التواصل الاجتماعي.
وهكذا، سرعان ما شاع الخبر
ونقلته وسائل الإعلام، كما ظهرت أمينة في بعض البرامج شارحة خطوتها
التظاهرية هذه التي تُعتبر ”جريئة“ بالمفاهيم العربية البليدة. لقد أثارت
خطوتها هذه كلّ هؤلاء الّذين قد عيّنوا أنفسهم أوصياء على الأخلاق العامّة،
وهؤلاء هم بالذّات الّذين جاء هذا الشّعار ليفضحهم وليفضح أخلاقهم
الكاذبة.
فقط مرضى العقول ومرضى النفوس ومرضى الكبت الجنسي يرون في خطوة أمينة
هذه تعرّيًا. إذ أنّ النّاظر، المُعافى عقلاً ونفسًا وروحًا، إلى صورة
جسدها الحامل للكلمات لا يرى غير هذا الشعار، هذه الصرخة الخارجة من نفس
المرأة العربية على وجه التحديد والموجّهة إلى هذا المجتمع العربي الذي لا
يستطيع فكاكًا من أغلال ذهنية ذكورية بليدة نخرت كيانه الاجتماعي منذ قرون
طويلة وطرحته مُنهكًا آيلاً للسقوط والاندثار.
نعم، ليس صدفة أن تثور
ثائرة الإسلامويين ومن هم على شاكلتهم إزاء هذه الخطوة، هذه التظاهرة
وهذه الصرخة للمرأة العربية. نعم، إنّ هؤلاء الإسلامويين ومن لفّ لفّهم هم
المثال الأبرز على هذه الذهنية الذكورية العربية التي تفتقد إلى الشرف من
ذاتها. نعم، هذه الذهنية المفتقدة للشرف من ذاتها تبحث عن شرف خارج ذاتها،
فتحيله إلى الحلقة الأضعف من حولها - المرأة العربية. هكذا يُضحي الذكر
العربي عديم الشرف من ذاته لذاته. وهكذا يتحوّل جسد المرأة، ولأسباب تعود
إلى الطبيعة البرّيّة التي لا زالت تتحكّم في الذهنيّة العربية، إلى حامل
لكلّ هذه المفاهيم الّتي تنقصه في ذاته هو.
لهذا السبب، فعندما يتمّ وضع هذه المقولة أمام أعين الذّكر العربي فإنّه
يُصدم من هولها. وصدمته تكون أشدّ عندما يأتي هذا الكلام من جانب المرأة
العربية، كما إنّ الصدمة تتحوّل إلى نكبة ذهنيّة ذكورية عربية عندما يُرفع
هذا الشعار على جسد المرأة العاري.
والحقيقة معكوسة تمامًا.
فليس العراء هنا عراءً أنثويًّا. إنّ جسد أمينة الذي يرفع هذا الشعار
ليس عاريًا بالمرّة. إنّه أكثر احتشامًا وأكثر احترامًا للذات البشرية من
كلّ هؤلاء الّذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على أخلاق هم أبعد ما يكونون عنها
أصلاً. إنّ صرخة أمينة الجسدية هي تعرية للذهنية التي لا ترى غير العراء في
هذه الصورة. إنّه تعرية لذهنية الإسلامويين ومن هم على شاكلتهم من أشباه
الذين يفتون بالجلد والرّجم للمرأة العربية التي تنشد حريّتها البشرية. إنّ
جسد أمينة العاري أكثر احتشامًا من النيكروفيليين أصحاب فتاوى إباحة الجنس
مع الجثث.
وإذا كان لا بُدّ من الرّجم، فإنّ هذه الذهنية الذكوريّة العربيّة
البليدة هي الأولى بأن تُرجَم، وهي الأولى بأن تُدفن في عميقًا في رمال
العرب. لا يمكن الخروج من المآزق العربية دون عودة الذكر العربي إلى البحث
عن شرفه وعن كرامته داخل ذاته هو، وهو فقط. هذه هي الطريق الوحيدة للخروج
من الدوّامة.
وأخيرًا، وليس آخرًا: لأنّ الذكوريّة العربيّة قد أثبتت فشلها طوال قرون
طويلة، فقد آن الأوان إلى إحداث تحوّل كبير. يجب دفع المرأة العربية إلى
الصدارة وانسحاب الرجل العربي إلى الصفوف الخلفية.
ألا هل بلّغت!
*
(صورة المقال: يوسف نبيل، "ناتاشا تدخل النارجيلة، القاهرة ٢٠٠٠)
المصدر: موقع إيلاف الأليكتروني
تعليقات