خالد سليمان
إذا حاز الداعية الإسلامي حازم أبو إسماعيل، وهو أحد أعلام الإخوان المسلمين منصب رئيس جمهورية مصر في الانتخابات الرئاسية القادمة، فسيحظر بيع الخمور، يمنع الاختلاط بين الجنسين في العمل، ويكلف الحكومة بتهيئة الأجواء لفرض الحجاب. هذا ما تناقلته وسائل الإعلام المصرية والعربية بعد الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري، إذ فاز فيها «الإخوان» والسلفيون بغالبية المقاعد البرلمانية.
وذهب المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم شحات إلى نحو أبعد من كلام المرشح حازم أبو اسماعيل حيث تطرق لأدب نجيب محفوظ، معتبرا أنه مثير للرذيلة.
ما يلوح له «الإخوان» واخوتهم في الدعوة السلفية «النور» في مصر بعد مبارك، يعيد للأذهان ذلك القرار الذي اتخذه الخميني بعد نجاح الثورة الإيرانية بثلاثة أشهر إذ فرض بموجبه الحجاب على الإيرانيات، وكان في ذلك الإشارة الأقوى لدور الملالي في المجتمع حيث خرجوا من فيء نظام حكم الشاه ليواجهوا الثورة بالثورة. فحين خرجت إيرانيات اليسار إلى ساحات طهران واحتججن ضد قرار الخميني ذاك، كانت إيرانيات الملالي بانتظارهن في الساحات ذاتها وهن يحملن الهراوات لضرب المتظاهرات دفاعا عن الحجاب. وكان وراء «ثورة الهراوات المضادة» إن جاز الاستخدام، فكرة التضحية بالمجتمع، وفيه المرأة الإيرانية تحديداً، إذ قدُر لها ان تكون الضحية الأولى.
هناك تقاربات كثيرة بين الثورة الإيرانية والثورات العربية، إنما الأوضح فيها هو محاولة السيطرة على ما يمكن تسميته بـ«مجتمع النواعم». فحلم الأخوان بفرض الحجاب وفصل الجنسين في أماكن العمل ووصف السلفيين للأدب المحفوظي بمثير للرذيلة، هما في الأصل انتقام من المرأة والمكانة الجمالية التي تحتلها في المجتمع. والأمر ان وضعناه في سياق ذات الخطاب الاجتماعي الذي تعتمده الحركات الإسلامية يمكن وصفه بحلم درء الأخطاء، ذاك ان النساء في الخطاب الديني ما زلن يمثلن الخطيئة. ولا يأتي ذكر أدب محفوظ في هذا المجال اعتباطاً، ولا في سياق «كلام الناس» ان جازت الاستعارة، بل هو ضرب استباقي لتاريخ المجتمع المصري وتلك المناطق السرّية التي تكشف عنها «النساء الخاطئات» في أدب نجيب محفوظ، والقصد بالنساء الخاطئات هنا كما يذكر في الكتابات المصرية هو «النساء الهامشيات» أغلب الظن، كما ان ادب نجيب محفوظ يتناول تلك المظاهر التي يريد الإخوان حجبها عن المجتمع في حال تولي السلطة في البلاد.
«كانت النساء الخاطئات» في إيران ما بعد الثورة، هن اللواتي يأكلن تفاحة في مكان عام مثلاً، هذا ما ترويه الكاتبة الإيرانية أذر نفيسي في كتابها الشيق «ان تقرأ لوليتا في طهران» كيف ان الشرطة الدينية في جامعة طهران اعتقلت فتاتين كانتا تأكلان التفاح في إحدى أروقة الجامعة، فاتهمتا بتناول الفاكهة بطريقة مثيرة. وفي مصر طعن نجيب محفوظ بسكين قبل رحيله بسنوات. واليوم، يوصف ما كتبه بأدب الرذائل، لأنه تناول ذلك الهامش الكبير الذي تستطيع «الهامشيات» فيه التحرك كما تقتضي الرغبات والأحلام والحقوق الحياتية، وقد تظهر الشرطة الدينية لاعتقال نماذج بطلات محفوظ في الحارات الشعبية المصرية والأسواق والأماكن العامة.
تالياً، هل ما تشهده الساحة «السياسية» المفتوحة في مصر وتونس وما ستشهده ساحات البلدان الأخرى، هو إشارة واضحة للعودة إلى المشهد السياسي الإيراني عام 1979؟. انه سؤال يشذ اغلب الظن عن القاعدة «الثورية» في العالم العربي اليوم، ذاك ان مديح الثورة كما روج أثناء الثورة الإيرانية من قبل مجموعة من المفكرين والمثقفين الغربيين والعرب، أصبح الآن مقاساً تقاس به التغييرات، فيما أصبح نقد الثورة والمجتمع خياراً صعباً في ظل ثقافة تخوينية جديدة تضع ناقد الثورة في خانة «عُباد الديكتاتورية». واللافت في مجمل النقاشات والسجالات المتعلقة بالثورات العربية، وفيها، السطوة «الاخوانية»، هو تسطيح الديموقراطية وتجريدها من المفاهيم المدنية وحقوق الإنسان وحرية المرأة. وخير دليل على ذلك هو إصرار الاخوان المسلمين في لجنة كتابة وثيقة «المبادئ الدستورية» في مصر على إسقاط كلمة «المدنية» في الفقرة التي تقول مصر دولة مدنية ديموقراطية. يمكن اختصار الديموقراطية هنا في «الصوت» والخيار المجتمعي في مصر تفوق نسبة الأمية فيها ٣٥٪، أما المدنية فلا تقتصر سوى على الاستقلال المجتمعي والتنظيم الذاتي، وفيهما، تلك القيم التي تتعلق بالأفراد والمجموعات خارج التنظيمات الدولتية.
يذكر أن القوى الإسلامية كانت تطالب باعتبار الوثيقة استرشادية غير أن التيار الليبرالي أكد ضرورة إلزاميتها خشية سيطرة الإسلاميين على البرلمان المقبل، وبالتالي استفرادهم بوضع الدستور الجديد.
وكي لا أُتهم هنا وأُوضع في خانة «عباد الديكتاتورية»، أود الإشارة الى أنني لست بصدد التفضيل بين قديم ولّى وجديد لا نكترث لنقده والولوج في معطياته اليومية، إنما الحديث هو عما يمكن وصفه بمستقبل مجرّد من التفكير الجنسي. فمنع تناول تفاحة في ساحة عامة في إيران بعد الثورة، ومنع الاختلاط بين الجنسين وفرض الحجاب ووصف أدب نجيب محفوظ بالرذيلة في مصر بعد مبارك، هي قبل كل شيء إبعاد الثورة عن الولوج في المسائل الاجتماعية والتابوهات، وفيهما المناطق المحاطة بالخفايا والأسرار، مجتمع النواعم تحديداً. تالياً، ما يهم ان نصبو اليه في السجال الدائر حول مستقبل المجتمعات والبلدان بعد زوال الأنظمة التوتاليتارية والشبه - توتاليتارية هو شكل النظام الذي بات معروفاً في ظل سيطرة الاخوان المسلمين على البرلمانات والحكومات في تونس ومصر، وفي سوريا وليبيا واليمن قريباً. لقد أجل العرب الطلب على الحرية والديموقراطية وقضايا الإصلاح السياسية والاجتماعية منذ انتهاء الحكم الكولونيالي بحجة وجود إسرائيل والأطماع الغربية في العالم العربي، فهل يؤجل النضال من أجل حكم مدني بحجة عدم التضحية بالثورات أو عدم تغيير مساراتها؟ انه سؤال قد نجد البعض من تفاصيله في ثنايا كوات حروب ليست بصغيرة أعلنها الإسلاميون في الجامعات التونسية. وهي لا تختلف عن تلك الحروب الكبيرة التي تلت الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ في جامعات طهران إذ فرض فيها الحجاب ومنع كل ما له الصلة بالثقافة والأدب الغربيين، كما حُرّم فيها تناول تفاحة في العلن.
تبريراً لما تشهده الساحات المصرية والتونسية من النشاط الأصولي ورداً على أي تخوف يبديه المشاركون والمراقبون والحالمون في الثورات العربية تجاه مشروع الإسلاميين، يقول البعض ان الحكم الإسلامي «المعتدل» - كما يروج له - لا يمكنه التخلي عن «البزنس» والتجارة والعلاقة الدوليتين، إنما هذا لا يمنع بطبيعة الحال إخضاع المجتمعات لقوانين قاسية مثل فرض الحجاب على النساء وفصل الجنسين في أماكن العمل ومنع محلات بيع الخمور وتقليم الأدب والتراث العربيين من أغصان التمرد. فجميع هذه الممارسات التي لم تتورع الحركات الإسلامية عن إعلان الموقف منها، لا تمنع إبقاء العلاقة مع الغرب وأميركا وكذلك تطوير البزنس، إنما المشكلة هي في الداخل والنموذج السلطوي الذي تعتمده الحركات الإسلامية، ولا سيما ان هناك تراجعاً واضحاً لجميع القوى العلمانية واليسارية، وحركات المجتمع المدني أيضاً.
لقد توالت كتابات كثيرة عن مستقبل الدولة العربية الما بعد - الاستبدادية، وأكثرها كانت ميالة، أو متأكدة من ميلها للنموذج التركي من الحكم الإسلامي وإمكانية استعارته والاستعانة به في العالم العربي. إنما استثني في سياق هذه الثقافة «الاستعارية» لإعادة بناء الدولة والنظام، تلك الفوارق الجوهرية التي تفصل التجربة التركية عما يمكن وصفها بالتجربة العربية. فالأولى ترتبط بإسلام الدنيا وتعتمد الدساتير الوضعية، بينما ترتبط الثانية بإسلام الآخرة والنص وتنوي إعادة كتابة الدساتير وفقاً لشعارها القديم الجديد «الإسلام هو الحل».
قصارى القول، لم يؤد الطلب على الحرية والتخلص من الديكتاتوريات في العالم العربي إلى تحويل الوقائع والأحداث والتصورات من الأخرويات إلى التاريخ. فما زال الشعار الديني يشكل صورة ما بعد -الثورة ويرسم عصب الأحداث في البلدان المتحررة من الاستبداد، وتستهدف الجامعات والمؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية، وفيها، الجامعيات والناشطات والإعلاميات.
اختصاراً، يشكل فقدان «التنوع الهوياتي» في مرحلة ما بعد الثورات العربية التحدي الجديد الذي يواجه العالم العربي، ذاك ان صفات «الشعبية» التي لم تعد ذات معنى واضح في ظل الخطاب المعلن للإسلاميين وأن ذلك الفراغ الهائل الذي تركته الدولة القومية الشبه - توتاليتارية، تستهدف مجتمع النواعم قبل ذلك التاريخ القاسي الذي تركته الديكتاتوريات.
المصدر:
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?
EditionId=2049&WeeklyArticleId=86733&ChannelId=11478
الفلسطيني مروان سلامة (مواليد 1960) |
وذهب المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم شحات إلى نحو أبعد من كلام المرشح حازم أبو اسماعيل حيث تطرق لأدب نجيب محفوظ، معتبرا أنه مثير للرذيلة.
ما يلوح له «الإخوان» واخوتهم في الدعوة السلفية «النور» في مصر بعد مبارك، يعيد للأذهان ذلك القرار الذي اتخذه الخميني بعد نجاح الثورة الإيرانية بثلاثة أشهر إذ فرض بموجبه الحجاب على الإيرانيات، وكان في ذلك الإشارة الأقوى لدور الملالي في المجتمع حيث خرجوا من فيء نظام حكم الشاه ليواجهوا الثورة بالثورة. فحين خرجت إيرانيات اليسار إلى ساحات طهران واحتججن ضد قرار الخميني ذاك، كانت إيرانيات الملالي بانتظارهن في الساحات ذاتها وهن يحملن الهراوات لضرب المتظاهرات دفاعا عن الحجاب. وكان وراء «ثورة الهراوات المضادة» إن جاز الاستخدام، فكرة التضحية بالمجتمع، وفيه المرأة الإيرانية تحديداً، إذ قدُر لها ان تكون الضحية الأولى.
هناك تقاربات كثيرة بين الثورة الإيرانية والثورات العربية، إنما الأوضح فيها هو محاولة السيطرة على ما يمكن تسميته بـ«مجتمع النواعم». فحلم الأخوان بفرض الحجاب وفصل الجنسين في أماكن العمل ووصف السلفيين للأدب المحفوظي بمثير للرذيلة، هما في الأصل انتقام من المرأة والمكانة الجمالية التي تحتلها في المجتمع. والأمر ان وضعناه في سياق ذات الخطاب الاجتماعي الذي تعتمده الحركات الإسلامية يمكن وصفه بحلم درء الأخطاء، ذاك ان النساء في الخطاب الديني ما زلن يمثلن الخطيئة. ولا يأتي ذكر أدب محفوظ في هذا المجال اعتباطاً، ولا في سياق «كلام الناس» ان جازت الاستعارة، بل هو ضرب استباقي لتاريخ المجتمع المصري وتلك المناطق السرّية التي تكشف عنها «النساء الخاطئات» في أدب نجيب محفوظ، والقصد بالنساء الخاطئات هنا كما يذكر في الكتابات المصرية هو «النساء الهامشيات» أغلب الظن، كما ان ادب نجيب محفوظ يتناول تلك المظاهر التي يريد الإخوان حجبها عن المجتمع في حال تولي السلطة في البلاد.
«كانت النساء الخاطئات» في إيران ما بعد الثورة، هن اللواتي يأكلن تفاحة في مكان عام مثلاً، هذا ما ترويه الكاتبة الإيرانية أذر نفيسي في كتابها الشيق «ان تقرأ لوليتا في طهران» كيف ان الشرطة الدينية في جامعة طهران اعتقلت فتاتين كانتا تأكلان التفاح في إحدى أروقة الجامعة، فاتهمتا بتناول الفاكهة بطريقة مثيرة. وفي مصر طعن نجيب محفوظ بسكين قبل رحيله بسنوات. واليوم، يوصف ما كتبه بأدب الرذائل، لأنه تناول ذلك الهامش الكبير الذي تستطيع «الهامشيات» فيه التحرك كما تقتضي الرغبات والأحلام والحقوق الحياتية، وقد تظهر الشرطة الدينية لاعتقال نماذج بطلات محفوظ في الحارات الشعبية المصرية والأسواق والأماكن العامة.
تالياً، هل ما تشهده الساحة «السياسية» المفتوحة في مصر وتونس وما ستشهده ساحات البلدان الأخرى، هو إشارة واضحة للعودة إلى المشهد السياسي الإيراني عام 1979؟. انه سؤال يشذ اغلب الظن عن القاعدة «الثورية» في العالم العربي اليوم، ذاك ان مديح الثورة كما روج أثناء الثورة الإيرانية من قبل مجموعة من المفكرين والمثقفين الغربيين والعرب، أصبح الآن مقاساً تقاس به التغييرات، فيما أصبح نقد الثورة والمجتمع خياراً صعباً في ظل ثقافة تخوينية جديدة تضع ناقد الثورة في خانة «عُباد الديكتاتورية». واللافت في مجمل النقاشات والسجالات المتعلقة بالثورات العربية، وفيها، السطوة «الاخوانية»، هو تسطيح الديموقراطية وتجريدها من المفاهيم المدنية وحقوق الإنسان وحرية المرأة. وخير دليل على ذلك هو إصرار الاخوان المسلمين في لجنة كتابة وثيقة «المبادئ الدستورية» في مصر على إسقاط كلمة «المدنية» في الفقرة التي تقول مصر دولة مدنية ديموقراطية. يمكن اختصار الديموقراطية هنا في «الصوت» والخيار المجتمعي في مصر تفوق نسبة الأمية فيها ٣٥٪، أما المدنية فلا تقتصر سوى على الاستقلال المجتمعي والتنظيم الذاتي، وفيهما، تلك القيم التي تتعلق بالأفراد والمجموعات خارج التنظيمات الدولتية.
يذكر أن القوى الإسلامية كانت تطالب باعتبار الوثيقة استرشادية غير أن التيار الليبرالي أكد ضرورة إلزاميتها خشية سيطرة الإسلاميين على البرلمان المقبل، وبالتالي استفرادهم بوضع الدستور الجديد.
وكي لا أُتهم هنا وأُوضع في خانة «عباد الديكتاتورية»، أود الإشارة الى أنني لست بصدد التفضيل بين قديم ولّى وجديد لا نكترث لنقده والولوج في معطياته اليومية، إنما الحديث هو عما يمكن وصفه بمستقبل مجرّد من التفكير الجنسي. فمنع تناول تفاحة في ساحة عامة في إيران بعد الثورة، ومنع الاختلاط بين الجنسين وفرض الحجاب ووصف أدب نجيب محفوظ بالرذيلة في مصر بعد مبارك، هي قبل كل شيء إبعاد الثورة عن الولوج في المسائل الاجتماعية والتابوهات، وفيهما المناطق المحاطة بالخفايا والأسرار، مجتمع النواعم تحديداً. تالياً، ما يهم ان نصبو اليه في السجال الدائر حول مستقبل المجتمعات والبلدان بعد زوال الأنظمة التوتاليتارية والشبه - توتاليتارية هو شكل النظام الذي بات معروفاً في ظل سيطرة الاخوان المسلمين على البرلمانات والحكومات في تونس ومصر، وفي سوريا وليبيا واليمن قريباً. لقد أجل العرب الطلب على الحرية والديموقراطية وقضايا الإصلاح السياسية والاجتماعية منذ انتهاء الحكم الكولونيالي بحجة وجود إسرائيل والأطماع الغربية في العالم العربي، فهل يؤجل النضال من أجل حكم مدني بحجة عدم التضحية بالثورات أو عدم تغيير مساراتها؟ انه سؤال قد نجد البعض من تفاصيله في ثنايا كوات حروب ليست بصغيرة أعلنها الإسلاميون في الجامعات التونسية. وهي لا تختلف عن تلك الحروب الكبيرة التي تلت الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ في جامعات طهران إذ فرض فيها الحجاب ومنع كل ما له الصلة بالثقافة والأدب الغربيين، كما حُرّم فيها تناول تفاحة في العلن.
تبريراً لما تشهده الساحات المصرية والتونسية من النشاط الأصولي ورداً على أي تخوف يبديه المشاركون والمراقبون والحالمون في الثورات العربية تجاه مشروع الإسلاميين، يقول البعض ان الحكم الإسلامي «المعتدل» - كما يروج له - لا يمكنه التخلي عن «البزنس» والتجارة والعلاقة الدوليتين، إنما هذا لا يمنع بطبيعة الحال إخضاع المجتمعات لقوانين قاسية مثل فرض الحجاب على النساء وفصل الجنسين في أماكن العمل ومنع محلات بيع الخمور وتقليم الأدب والتراث العربيين من أغصان التمرد. فجميع هذه الممارسات التي لم تتورع الحركات الإسلامية عن إعلان الموقف منها، لا تمنع إبقاء العلاقة مع الغرب وأميركا وكذلك تطوير البزنس، إنما المشكلة هي في الداخل والنموذج السلطوي الذي تعتمده الحركات الإسلامية، ولا سيما ان هناك تراجعاً واضحاً لجميع القوى العلمانية واليسارية، وحركات المجتمع المدني أيضاً.
لقد توالت كتابات كثيرة عن مستقبل الدولة العربية الما بعد - الاستبدادية، وأكثرها كانت ميالة، أو متأكدة من ميلها للنموذج التركي من الحكم الإسلامي وإمكانية استعارته والاستعانة به في العالم العربي. إنما استثني في سياق هذه الثقافة «الاستعارية» لإعادة بناء الدولة والنظام، تلك الفوارق الجوهرية التي تفصل التجربة التركية عما يمكن وصفها بالتجربة العربية. فالأولى ترتبط بإسلام الدنيا وتعتمد الدساتير الوضعية، بينما ترتبط الثانية بإسلام الآخرة والنص وتنوي إعادة كتابة الدساتير وفقاً لشعارها القديم الجديد «الإسلام هو الحل».
قصارى القول، لم يؤد الطلب على الحرية والتخلص من الديكتاتوريات في العالم العربي إلى تحويل الوقائع والأحداث والتصورات من الأخرويات إلى التاريخ. فما زال الشعار الديني يشكل صورة ما بعد -الثورة ويرسم عصب الأحداث في البلدان المتحررة من الاستبداد، وتستهدف الجامعات والمؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية، وفيها، الجامعيات والناشطات والإعلاميات.
اختصاراً، يشكل فقدان «التنوع الهوياتي» في مرحلة ما بعد الثورات العربية التحدي الجديد الذي يواجه العالم العربي، ذاك ان صفات «الشعبية» التي لم تعد ذات معنى واضح في ظل الخطاب المعلن للإسلاميين وأن ذلك الفراغ الهائل الذي تركته الدولة القومية الشبه - توتاليتارية، تستهدف مجتمع النواعم قبل ذلك التاريخ القاسي الذي تركته الديكتاتوريات.
المصدر:
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?
EditionId=2049&WeeklyArticleId=86733&ChannelId=11478
ملاحظة: نشرت هذه المادة بتاريخ 13/01/2012 في صحيفة السفير اللبنانية واكتشفت اليوم بأني لم أنشرها في موقعي على الأنترنيت ولذلك ارتأيت إعادة نشرها في سياق بحثي عن ذات المعضلات التي واجهت ثورات الربيع العربي وهي في الغالب مسائل إجتماعية، بينها مسألة المرأة
تعليقات