التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نوري المالكي: أنا وليّ الدم

خالد سليمان
بعد مقتل الصحافي العراقي محمد بديوي في منطقة الجادرية في الثاني من الشهر الجاري على أيدي ضابط من لواء الحرس الرئاسي في بغداد، سارعت وكالات الأنباء العراقية وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تسمية هوية قاتل مدير مكتب إذاعة العراق الحر كعضو في «البيشمركة»، رغم أن اللواء المذكور هو جزء من منظومة وزارة الدفاع وليس من قوات البيشمركة في إقليم كُردستان. إنما المثير في القضية هو تدخل رئيس الوزراء نوري المالكي وحضوره شخصياً إلى مكان الحادث والتفوه بجملة لا يرددها سوى شيوخ القبائل
وهي «أنا وليّ الدم». وقد طالب بعض السياسيين
والصحافيين بعدما وصلت ترددات جملة رئيس الوزراء إلى أذهانهم، بقتل الضابط الذي أطلق الرصاص على محمد بديوي في ذات المكان. وفي اليوم الثاني اعتصم عدد من الصحافيين والإعلاميين ونقابة الصحافيين احتجاجاً على مقتل زميلهم ورفع بعض منهم وفق وكالة (قرطاس نيوز) شعارات عنصرية ضد الكُرد وأدى إلى مشاجرة بينهم حيث عارض عدد منهم تلك الشعارات.
كلام المالكي أثار موجة من الانتقادات حيث قال، «أنا ولي الدم، ويجب أن يسلم القاتل للقضاء وهذه إجراءات تعسفية، الدم بالدم». كما أن رئيس قائمة «دولة القانون» والحكومة العراقية تكفل بمهمة رئيس القبيلة وأثار بجملته السرطانية هذه الغرائز قبل الوعي والعقل. وقد استغل المالكي برأي عدد كبير من الأوساط الإعلامية والسياسية في العراق حدث مقتل الصحافي محمد بديوي الشمري كدعاية مجانية له - بخاصة انه على أبواب انتخابات نيابية جديدة نهاية نيسان (أبريل) القادم - وأراد مخاطبة عشيرة الشمر وهي من كبرى العشائر العربية في العراق والمنطقة قائلاً «أنا ولي الدم»، وكأنه رئيس قبيلة كبيرة وليس رئيس وزراء دولة تعيش على أرضها قوميات وأديان وطوائف ومذاهب متنوعة كتلك التي يتميز بها العراق.
أثار «دولة الرئيس» بسبب جريمة جنائية (فردية) مشاعر الملايين حين أنهى جملته «الدم بالدم» وجيّش الكتاب والصحافيين والقنوات الإعلامية في البلاد لوصف الجريمة بأنها فعل كُردي ضد العرب في بغداد، تاركاً وراءه أسئلة كثيرة. لا يعرف رأس الحكومة مفردات أخرى مثل القانون، جريمة جنائية أو تعابير أخرى مشابهة، فلجأ إلى مخزونه العشائري واستخدم تعابير لم تعد تستخدمها حتى القبائل والعشائر العربية في نزاعاتها وصراعاتها الداخلية؟
أية إجابة عن هذه الأسئلة تقودنا إلى أن المالكي قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، كان قائداً شيعياً في حزب الدعوة ترجع أصوله إلى قرية «جناجه» في بلدة «طويريج» القريبة من كربلاء ومن عشيرة «ألبوعلي». إنه بذلك قليل التأثير في التركيبة الاجتماعية للعشائر في العراق. وقد ساعدته سياسة قائد القوات الأميركية في العراق ديفيد بتريوس حين لجأ إلى عشائر العراق وأسّس «الصحوات» لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق. وسار المالكي تالياً على خطى بتريوس ولجأ إلى العشائر كمحاولة لتعليق صورة قوية له بينها، وذلك من أجل إيجاد بيئة اجتماعية -عشائرية للسلطة. تالياً، نراه بعدما أصبح رئيساً للوزراء لدورة ثانية، قائداً شيعياً عراقياً، عربياً، يتخلى عن ذكر انتمائه لعشيرة «ألبوعلي» ويحاول في حواراته الصحافية الحديث عن انتمائه لقبيلة «بني مالك» ويحضر مؤتمرات للقبائل والعشائر ويظهر نفسه كحام لمصالحهم في البلاد. وصار الحديث عن حزب الدعوة وأصوله المتحدرة من قرية (جناجه) في منطقة طويريج شيئاً ثانوياً. هذا التبديل في التصنيف الاجتماعي- القبلي الذي لا يتجاوز تمثلات آنية، ليس سوى ترجمة لتوسيع شرعيته السياسية واستقطاب الناس له كقائد يتسم بكل الصفات الاجتماعية.
لا يخرج كلام المالكي عن مقتل الصحافي محمد بديوي ولجوؤه إلى مخزون البداوة اللغوي عن دائرة بحثه الدائم عما يمكن تسميته «الحاضنات الاجتماعية الرطبة للسلطة». فحين يقول للشمر «أنا ولي الدم»، لا يتكلم كرئيس السلطة التنفيذية في العراق، بل كسلطة رمزية ذات تأثير ومقام داخل التركيبة الاجتما-قبلية في العراق. هذه المخيلة كانت إحدى وسائل ديكتاتور العراق السابق صدام حسين إذ كان يلجأ إلى كل ما هو ممكن لتكريس استبداده العائلي-القبلي، ففتحت له باباً لم يطرقه أحد قبله، وهو باب صناعة القائد في «الحاضنات الرطبة» اجتماعياً وقبلياً وثقافياً. وقد سأل الكثير من الصحافيين والمعلقين السياسيين عن سبب اندفاع المالكي لمتابعة الحدث شخصياً وترك مكبته بغية الحضور إلى مكان الحادث، فيما وصلت قائمة الصحافيين المقتولين في العراق إلى ٤٨٠٠، منهم كامل الشياع وهادي المهدي وأطوار بهجت وغيرهم من الأسماء، ولم يسأل «دولة الرئيس» يوماً عن ملفات التحقيق المتروكة داخل صناديق الدوائر القريبة منه.
اقتضاباً، لو استمر الوسط العراقي، وفيه شخص نوري المالكي وعدد كبير من الصحافيين والكتاب، ناهيك عن الشارع، في استثمار مقتل الصحافي محمد بديوي وفق نظرية «وليّ الدم» ووضع القانون والتحقيق الجنائي المستقل جانباً، ستكون العواقب وخيمة على عراق يشهد وضعاً سياسياً وأمنياً متدهورين، وسلماً أهلياً مرهوناً بالمشهد المتدهور ذاته. إن عود الثقاب الذي أشعله المالكي بكلامه (الدم بالدم) ومن ثم التقارير المعبئة بالكراهية التي نشرها الصحافيون تشعل أطناناً من الفحم المدفون تحت الأرض.
نوري المالكي (ا ب)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أزمة المياه تهدّد الشرق الأوسط.. والعراق على الخط الأحمر

خالد سليمان  يشير مدير المعهد العلمي للبيئة في جامعة جنيف مارتن بينيستون إلى ذوبان شبه كلي لثلوج جبال الألب نهاية القرن الحالي، حيث لا يبقى سوى القليل منه في الأعالي. يعود سبب ذوبان هذه الثلوج التي تغذي أنهار (راين، دانوب، بو، رون) ويعتمدها ١٦٠ مليون نسمة في غالبية أنحاء أوروبا للزراعة والنقل والطاقة والغذاء، إلى التغيير المناخي وارتفاع درجات حرارة الأرض، ناهيك عن الازدياد السكاني حيث تشير الإحصائيات المتوقعة إلى وصول نسبة سكان المعمورة إلى ١٠ ملايين نهاية هذا القرن.  كانت هذه الصورة بداية لمؤتمر دولي بعنوان “السلام الأزرق” حول دور المياه في السلام والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط نظمه Stratigic Foresight Group وجامعة جنيف بالتعاون مع وكالة سويسرا للتنمة والتعاون الاسبوع الثاني من شهر أكتوبر ٢٠١٥. 

MIDDLE EAST Human Rights Watch outraged by video showing Syrian rebel commander Abu Sakkar cutting out government soldier's heart and eating it

By John Hall A graphic video has emerged of a Syrian rebel commander cutting the heart out of a  soldier’s chest and biting into it. Described by Human Rights Watch as “emblematic” of a civil war that has rapidly descended into sectarian hatred and revenge killings, the amateur footage was posted on the internet yesterday - sparking outrage among opposition figures, as well as supporters of President Bashar al-Assad. Human Rights Watch said the video shows Abu Sakkar – the prominent founder of rebel group Farouq Brigade, which originated in Homs. In the clip, Sakkar cuts into the chest of the dead soldier before ripping out his heart and liver and declaring: “I swear to God we will eat your hearts and your livers, you soldiers of Bashar the dog”. To off-screen cheers and chants of “Allahu akbar [God is Great]”, the man then bites into the heart. The Syrian conflict started with peaceful protests in March 2011, but when these were suppressed it gradually turned int...

نوري المالكي وجيشه وضباطه البعثيين, إليكم الأسماء

لا مانع ان ترتكب القوات التابعة لرئيس الوزراء نوري المالكي وتحت قيادة الضباط البعثيين (الأشاوس) مجازر في "دوزخورماتو" وغيرها من المناطق المستقطعة من كوردستان, إليكم أسماء ضباط الجيش العراقي في عهد الديكتاتور صدام حسين وقد أعادهم نوري المالكي إلى جيشه (الباسل) وسلمهم المناطق التي تسمى بالمتنازع عليها وهي في الحقيقة مستقطعة من كوردستان    الفريق الأول الركن عبود قنبر هاشم المالكي- -معاون رئيس أركان الجيش حاليا  الفريق الأول الركن موحان حافظ الفريجي(سابقا التكريتي)- مستشار أقدم وزارة الدفاع  الفريق الأول الركن طالب شغاتي مشاري الكناني- قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن احمد هاشم عودة – قائد عمليات ب