خالد سليمان
بغداد - احتفلت موظفات وزارة العدل العراقية بيوم المرأة العالمي الذي صادف الثامن من آذار الحالي، بحضور وزير العدل حسن حلبوص حمزة الشمري، الذي جعل "القانون الجعفري" عنواناً للإحتفالية، إذ أعلن أن "قانون الأحوال الشخصية الجعفري جاء لإنصاف المرأة، وأعطاها امتيازات غير مسبوقة بخفض سن البلوغ والميراث إلى التاسعة واعتبارها الوريث الشرعي الوحيد لأبيها إذا توفي". وأضاف الشمري في كلمته، أن مشروع قانونه "جاء لرفع
الحيف والظلم الذي وقع على المرأة طيلة العقود الماضية جراء القوانين الوضعية والتقاليد الاجتماعية المتخلّفة". ولم ينسَ الشمري الإحتجاجات الإجتماعية والمدنية ضد مشروع القانون، واصفاً إيّاها بـ"زوبعة إعلامية تشنّها بعض الأطراف"، داعياً المعارضين إلى الحوار بطرق موضوعية وحضارية بعيداً عن التجريح والتشهير.
الحيف والظلم الذي وقع على المرأة طيلة العقود الماضية جراء القوانين الوضعية والتقاليد الاجتماعية المتخلّفة". ولم ينسَ الشمري الإحتجاجات الإجتماعية والمدنية ضد مشروع القانون، واصفاً إيّاها بـ"زوبعة إعلامية تشنّها بعض الأطراف"، داعياً المعارضين إلى الحوار بطرق موضوعية وحضارية بعيداً عن التجريح والتشهير.
لكنّ المعترضين لا يرون المشروع قابلاً للنقاش، ذاك أنه يبيح ويشجّع زواج القاصرات والطفلات في سن التاسعة ويجعل الزوجة كالعبدة أو الجارية لدى زوجها. كما أنه يمنع الزواج المدني بين الطوائف، أو يعرقله في أحسن الأحوال ويجعله مؤقتًا.
ومن شأن هذا القانون إن تمّ تمريره والموافقة عليه في البرلمان، أن يدفع بالمذاهب الأخرى لتشريع قوانين خاصة بها. وفي هذا مقدمات واضحة لخلق فوضى في القوانين وفي التشريع، وتقسيم المجتمع العراقي إلى دويلات طائفية متناحرة.
لكن أين تكمن أصول هذا القانون وما هي شرعيته الدستورية؟
يدفعنا هذا السؤال للعودة إلى المادة 41 في الدستور العراقي لعام 2005. تقول المادة: "العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون".
إن الأخذ بهذه المادة من الدستور في صيغتها الحالية كما تقول زينب وحيد، "تؤدي الى ترك المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية الى رجال الدين، وتجعل القاضي مجتهداً لا مطبقاً للقانون".
ويرجع سبب ذلك برأيها إلى عدم وجود نص يرجع إليه القاضي فيلجأ تالياً إلى شريعة المذهب ويصبح فقيهاً وليس قاضياً. إن القانون الجعفري يترك المواطن في حيرة من أمره إذ يضعه أمام اللجوء إلى محاكم مختلفة تخضع لمرجعيات مذهبية مختلفة، أي أنه يلتجئ إلى رجال الدين قبل المحاكم.
وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن قانون الأحوال الشخصية الأول في العراق، صدر عام 1959 وحمل الرقم (188)، اعتبر متقدماً في حينه، ذاك أنه عالج حقوق الرجل والمرأة والزواج والإرث والقضايا الأخرى المتعلقة بها وفقاً لمرجع قانوني واحد حيث إنه أخذ أحكامه من مذهب الاحناف، مدرسة الإمام أبو حنيفة النعمان، ومذهب الإمام أبو جعفر الصادق، كما تضمن القانون مبادئ من مذاهب أخرى وأخضع جميع المسلمين في العراق الى معايير موحدة من القوانين المتعلقة بالأسرة والزواج.
لقد أجرت الحكومة العراقية بعدما سيطر البعثيون على السلطة خلال انقلاب الثامن من شباط عام 1963، تعديلات على القانون لصالح الرجل فيما المساواة في مسائل الميراث وحقوق المرأة. وكان القانون ذاته ساوى بين الأنثى والذكر في عهد عبدالكريم قاسم إذ حدد عمر الزواج بثمانية عشرة سنة، فيما يشرّع القانون الجعفري المستلهم من المادة 41 الزواج بين السابعة والتاسعة.
وقد يقول فقهاء الشيعة والوزير "الشمري" بأن القانون يمنح المرأة حرية التوقيع على عقد الزواج بنفسها في غياب حضور الوصي، ولكن هل يمكن الأخذ بهذه الحجة الساذجة التي يمكن وضعها في خانة إنتهاك حقوق الأطفال، ذاك أن السن التاسعة وفق جميع الشرائع والقوانين المدنية الدولية، هي سن الطفولة.
ليست هذه المحاولة هي الأولى للقضاء على ما بقي من القوانين المدنية في العراق، فهناك مشروع قانون آخر لا يقل خطورة عن القانون الجعفري وهو تعديل دور فقهاء الدين الإسلامي في المحكمة الإتحادية العليا من مستشارين إلى متنفذين يستخدمون حق النقض ضد أي قرار تصدره المحكمة ولا يناسب رؤيتهم.
وجاء في الدستور العراقي الدائم المادة (92): «تتكوّن المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وأسلوب عمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب». كــما جاء في المادة الرابعة من الفقرة (ب - 2) من قانون المحـــكمة الاتحــادية: «يرشح ديوانا الوقف الإسلاميان أربعة مرشحين من بين خبراء الفقه الإسلامي، يتم اختيار اثنين منهم من قبل مجلس الوزراء ويعينان بمرسوم جمهوري بعد موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة». أي أن القانون لا ينـــظر إلى الخبراء بصفتهم جزءاً من هيئة المحكمة، إنما بصفتهم مستشارين، ويتمثل دورهم بتقديم اﻟﻤﺸورة من دون المـــشاركة ﻓﻲ اتخاذ اﻟﻘرارات. ولأن هذا الدور لا يناسب الأحزاب الدينية، تم تقديم مشروع يعيد صياغة بنية المحكمة وإخضاعها لسلطة رجال الدين، وذلك من خلال منح فقهاء الدين حق "الفيتو" في المحكمة الإتحادية.
الهدف من المشروع الجديد الذي أُدرج في جدول أعمال مجلس النواب العراقي العام الماضي (2013) والذي تحاول الأحزاب الشيعية حصول الموافقة عليه اليوم أو الغد، هو تغيير صفة خبراء الفقه الإسلامي الاستشارية إلى سلطة تمنح الفقهاء حق نقض أي قرار لا يناسب رؤيتهم للدولة والمجتمع. قصارى القول إن عدم موافقة عضوين من الفقهاء على قرارات المحكمة يعني نقضها حتى وإن حصل على 10 أصوات في المقابل، إنها «سلطة الفقيه».
بغداد - احتفلت موظفات وزارة العدل العراقية بيوم المرأة العالمي الذي صادف الثامن من آذار الحالي، بحضور وزير العدل حسن حلبوص حمزة الشمري، الذي جعل "القانون الجعفري" عنواناً للإحتفالية، إذ أعلن أن "قانون الأحوال الشخصية الجعفري جاء لإنصاف المرأة، وأعطاها امتيازات غير مسبوقة بخفض سن البلوغ والميراث إلى التاسعة واعتبارها الوريث الشرعي الوحيد لأبيها إذا توفي".
تعليقات