خالد سليمان
"ماذا بقى من الامريكي في مخيلة العراقي، في مخيلة الكردي تحديداً"؟ انه سؤال يدفعني لإستعادة صورة رأيتها في مدينة الموصل عام 2004، إذ كنت عائداً من شمال أمريكا للبلد "المحرر" من نظام صدام حسين الإستبدادي. حين دخلت المدينة سألت عن إمكانية تناول وجبة غذاء، ذاك اني بقيت لساعات طويلة في المعبر الحدودي بين سوريا والعراق دون تناول شيء يسد جوعي. وفي طريقنا إلى مطعم موصلي في قلب المدينة واجهنا رتل من سيارات أمريكية - عسكرية بطبيعة الحال-، توقف سائق التاكسي كي يمر الرتل الأمريكي، إنما المثير في ذلك المشهد هو ان كل عسكري داخل تلك السيارات كان يوجه سلاحه نحو عيون المارة والجالسين داخل سياراتهم، وكنت اسأل نفسي، هل يمكن إبعاد هذه الصورة عن ذاكرة الناس؟
وفي المطعم، كانت صورة الذباب، وفيها، إستقبال بدأ بجملة واحدة (لم يبق سوى الكباب والشقف)، العتبة الأولى للدخول. تالياً، بين صورة الأمريكي المدجج بالسلاح ومطعم مدجج بالذباب ونظرات إرتيابية، قررنا التوجه مباشرة إلى كركوك ومن ثم إلى مدينتنا الخالية من الجيش الأمريكي، إنما ليست من صورة جنوده وهم "يُغَطّون" رؤوس فرائسهم (الشريرة والبريئة) بأكياس الخيش. حين حكيتُ عن صورة الجنود الأمريكيين وأفواه أسلحتهم الموجهة إلى عيون الناس في الموصل لأقربائي، كنت أشعر بأني أنقل لهم معلومات جديدة، لأنهم يعيشون في مدينة لا حضور للأمريكي فيها، إنما، وكأني حرضت شيء ما بداخلهم، بدأوا بالحديث عن الجندي الأمريكي كرجل آلي لا يعرف سوى (No) وأكياس الخيش، وكان البعض منهم رأى مثل هذه الصورة في العاصمة بغداد أو طريق الوصول إليها. عرفت ساعئتذ ان غياب الأمريكي في مدن كردستان لا يعني بالضرورة حضوره المرفق بـ (No) وأكياس الخيش من خلال الصور المتلفزة يومياً أو العائدين من مناطق نفوذ "الأمريكي والقاعدي". قصارى القول، لم يكن "الأمريكي" موجوداً في كردستان، إنما كانت هناك صورة مرسومة له في ذهن الكردي كمنقذ وصديق لضحايا المستبد صدام حسين. لم تحتج تلك صورة وقت طويل كي تحيطها أكياس الخيش والأسلحة الموجهة إلى صدور الناس وتخفي ما يمكن إخفائه من يوميات مجتمع خرج تواً من سور المستبد، وأصبح الإرهابي وضحايا عالمه المعبئ بالموت، متساوين أمام عنف الأمريكي المُقَسط. لقد بدأ كل كردي يعيد رسم صورة الأمريكي ليس وفق إستقرار كردستان بل في وحل فوضى عارمة عمت العراق، وفيها، كان الإرهابي والأمريكي والطائفي والضحية، يترك ورائه ما يمكن تسميته بحطام التحرير.
تعليقات