لم يفشل «داعش» في هجومه الأخير على مدينة كركوك نهاية الشهر الماضي فحسب، بل فقد أكبر عدد من مقاتليه (٤٠٠ قتيل) من هويات مختلفة، وهي المعركة الأولى التي يتكبد فيها تنظيم «البغدادي» خسارة بهذا الحجم. ولكن ما الذي دفعه للهجوم على كركوك، فيما مني قبل الهجوم بأيام معدودة بخسارات في محافظة ديالى ومدينة كوباني ؟
يمكن ذكر أسباب كثيرة للهجوم على كركوك، منها محض داخلية ومنها إقليمية يراد من خلالها تحويل كركوك إلى «كوباني أخرى»، أي وضعها أمام القصف والدمار والهمجية بغية التدمير والتشبيح.
في ما خص العوامل الداخلية، فإن التنظيم الفاشي وبعد تضييق الخناق عليه في المناطق التي احتلها عام ٢٠١٤، في حاجة ماسة للنفط والمياه. وقد عُرف خلال السنة الماضية (٢٠١٤) باعتماده الرئيسي على النفط وبيعه في السوق السوداء باسعار رخيصة، إضافة إلى فرض الأتاوات على الناس ونهب المصارف الحكومية وتجارة التهريب، كل ذلك من أجل الاحتفاظ بالمناطق التي احتلها في كل من العراق و سورية. أما المياه، فهي مصدر آخر لإدامة حكم تنظيم «البغدادي» وهي الأهم من البترول، ذاك انها بالإضافة إلى توفير الغذاء والمحاصيل الزراعية والطاقة، تمكّنه من استخدامها للتعطيش والحرمان من خدمات الكهرباء والصحة...الخ. ولا تخرج محاولات «داعش» لاحتلال كركوك وسد الموصل والسدود الإروائية الصغيرة في ديالى عن التفكير بالمياه كأداة فعالة ضد السكان المحليين بالدرجة الأولى وقوات البيشمركة والجيش العراقي بالدرجة الثانية.
إضافة إلى البترول والمياه، هناك أسباب أخرى تتعلق بواقع المعارك التي يخوضها مقاتلو «البغدادي»، إذ تفرض الخسارة في كوباني أو الموصل اتباع استراتيجية جديدة أو تغيير قوانين اللعبة العسكرية. هذا ما حصل نهاية الشهر الماضي، إذ طرد من كوباني، ولكن فتح جبهة كركوك التي طالما حلم بالسيطرة عليها. يرى الباحث الألماني غونتر ماير وهو خبير في مركز الأبحاث حول العالم العربي في جامعة (ماينز) الألمانية في حوار نشرته وكالة (دوتشه فيله) بتاريخ ١/٢/٢٠١٥، بأن هجوم التنظيم على كركوك هو لـ «صرف النظر عن الموصل»، وسبب ذلك برأيه «ان قوات البيشمركة تمكنت في الأسابيع الأخيرة من تحقيق تقدم ضد التنظيم الإسلامي في مدينة الموصل». يضاف إلى هذا أسباب أخرى كثيرة لا تقل أهميتها عن كل النقاط التي تم التطرق إليها، وهي ان كركوك تغلق الطريق المعبد بين الموصل وبين محافظات صلاح الدين وديالى والعاصمة بغداد بطبيعة الحال.
سبب آخر، وهو ليس الأخير، للهجوم على كركوك هو ان كاتم أسرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس المخابرات التركية «هاكان فيدان» المعروف بتقديمه المساعدات الكريمة لـ «داعش» وجبهة النصرة في سورية، يعود مرة أخرى للواجهة، إنما على الجبهة العراقية هذه المرة وليس الجبهة السورية كما اعتاد في السنوات الأخيرة. فهو إذ نقل جبهة كُردستان من كوباني إلى كركوك، أراد إسقاط المدينة وتسليمها إلى «داعش»، وتحويلها تالياً، إلى كتلة نار ملتهبة وإيجاد مبرر للتدخل العسكري تحت ذريعة حماية الأقلية التركمانية.
ولكن حين فشل «داعش» ومني بخسارة فادحة، ظهرت ملامح خطة «هاكان» في شكل آخر، إنما من خلال تمثيل سياسي محلي يطالب قوات البيشمركة بمغادرة المحافظة بعد انتهاء المعارك. وقد أحرج الأتراك ساسة الأقلية التركمانية في كركوك بدفع بعض المسؤولين منهم للإدلاء بمثل هذه التصريحات في الوقت الذي كانت تخوض قوات البيشمركة القتال دفاعاً عن المدينة بجميع مكوناتها، بخاصة انهم لم ينسوا صمت الحكومة التركية أمام مجازر «داعش» ضد التركمان في (تلعفر) و(آمرلي) الصيف الماضي.
تعليقات