خالد سليمان
كانت العائلة الموصلية تخترق زقاق قديم بأقدام مُتعَبة، تصطدم عيون أفرادها بفضاء أفقي مفتوح يمكن رؤية السماء فيه للمرة الأولى. لم يبق شيء يخفي السماء عن الرؤية، لقد اختفت الجدران عن الرؤية أيضاً. تبحث خطواتهم عن مكان للحركة بين المخلفات.
لا حركة، لا صوت، لا شيء يشير الى إمكانية كسر الصمت والحرّ. جندي واقف في نهاية الحارة ينظر بالشك والريبة للقادمين، يعطيه وجود الأطفال بينهم اطمئنان هش، وقد يفكر بإطلاق صراخ عسكري يوقفهم عن الحركة والتقدم. لا يحدث شيء من هذا القبيل والعائلة تمشي على خطى الدمار. يبدو تعنت الولد الأصغر بين القادمين واضحاً أمام أنظار الجندي، تشير حركته إلى تَخَشُّب طفولي وكأنه لا يريد الاستمرار في المشي. يقترب الجندي بحذر قليلاً ويلوح بيديه الى التوقف، يتوقف الأب، ينظر لزوجته ويضع بضع أوراق في حقيبتها اليدوية، أوراق ثبوتية لملكية البيت وهويات الأحوال المدنية لأطفالهما. "انتبهوا، المكان ليس آمناً" قال الجندي. يستمر الجميع في المشي سوى الصغير.
حين تركوا منزلهم الواقع في الموصل القديمة لم يأخذوا سوى تلك الأوراق والمجوهرات التي احتفظت بها الأم للأيام العصيبة، تركوا كل شيء على حاله؛ البيت، الأثاث، الملابس، الغذاء، الأثاث، الأواني، حتى الصور والذاكرة. للمرة الأولى يرون السماء الموصلّي من بين الأزقة الضيقة، وكانت تلك الملاحظة الأولى حول حجم الدمار الذي حصل في حيّهم. كان ضيق الأزقة في السابق يحول السماء الأزرق إلى خطوط متقاطعة أمام عيون السكان والمارّة.
تأخر الولد الأصغر عنهم ببعد أمتار، كان يزيد تعنتاً ولا يريد الاستمرار في المشي. لقد بدت عليه علامات التعب وعلامات شيء قادم رأى فيه تطاير ما بقي من أحجار الأزقة، والأوراق الثبوتية بين يدي أُمه أيضاً. أصرّ الأب على تكملة المشي دون النظر لملامح صغيره المُطفأة، آمراً بثقة أبوية مُطلَقة: "أمش لم تبق أمامنا سوى خطوات ونصل إلى بيتنا، ستجد ألعابك القديمة في مكانها، ويعود أصدقائك أيضاً"، ولكن سبقهم أصدقاء الموت الى المكان وبقي الولد وحيداً، تطايرت الحارة أمام عينيه وهو لا يزال يسمع كلمات أبيه الأخيرة.
كانت العائلة الموصلية تخترق زقاق قديم بأقدام مُتعَبة، تصطدم عيون أفرادها بفضاء أفقي مفتوح يمكن رؤية السماء فيه للمرة الأولى. لم يبق شيء يخفي السماء عن الرؤية، لقد اختفت الجدران عن الرؤية أيضاً. تبحث خطواتهم عن مكان للحركة بين المخلفات.
لا حركة، لا صوت، لا شيء يشير الى إمكانية كسر الصمت والحرّ. جندي واقف في نهاية الحارة ينظر بالشك والريبة للقادمين، يعطيه وجود الأطفال بينهم اطمئنان هش، وقد يفكر بإطلاق صراخ عسكري يوقفهم عن الحركة والتقدم. لا يحدث شيء من هذا القبيل والعائلة تمشي على خطى الدمار. يبدو تعنت الولد الأصغر بين القادمين واضحاً أمام أنظار الجندي، تشير حركته إلى تَخَشُّب طفولي وكأنه لا يريد الاستمرار في المشي. يقترب الجندي بحذر قليلاً ويلوح بيديه الى التوقف، يتوقف الأب، ينظر لزوجته ويضع بضع أوراق في حقيبتها اليدوية، أوراق ثبوتية لملكية البيت وهويات الأحوال المدنية لأطفالهما. "انتبهوا، المكان ليس آمناً" قال الجندي. يستمر الجميع في المشي سوى الصغير.
حين تركوا منزلهم الواقع في الموصل القديمة لم يأخذوا سوى تلك الأوراق والمجوهرات التي احتفظت بها الأم للأيام العصيبة، تركوا كل شيء على حاله؛ البيت، الأثاث، الملابس، الغذاء، الأثاث، الأواني، حتى الصور والذاكرة. للمرة الأولى يرون السماء الموصلّي من بين الأزقة الضيقة، وكانت تلك الملاحظة الأولى حول حجم الدمار الذي حصل في حيّهم. كان ضيق الأزقة في السابق يحول السماء الأزرق إلى خطوط متقاطعة أمام عيون السكان والمارّة.
تأخر الولد الأصغر عنهم ببعد أمتار، كان يزيد تعنتاً ولا يريد الاستمرار في المشي. لقد بدت عليه علامات التعب وعلامات شيء قادم رأى فيه تطاير ما بقي من أحجار الأزقة، والأوراق الثبوتية بين يدي أُمه أيضاً. أصرّ الأب على تكملة المشي دون النظر لملامح صغيره المُطفأة، آمراً بثقة أبوية مُطلَقة: "أمش لم تبق أمامنا سوى خطوات ونصل إلى بيتنا، ستجد ألعابك القديمة في مكانها، ويعود أصدقائك أيضاً"، ولكن سبقهم أصدقاء الموت الى المكان وبقي الولد وحيداً، تطايرت الحارة أمام عينيه وهو لا يزال يسمع كلمات أبيه الأخيرة.
تعليقات