التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما علاقتنا بالقطب الشمالي وماذا يحدث لو اختفت جباله الجليدية؟

 خالد سليمان

27/01/2023

ثلاجة الأرض



تخيّلوا توقف فريزر ثلاجات بيوتنا عن العمل! ماذا نعمل؟ نترك كل شيء ونهرع إلى ورشة لتصليح الفريزر بغية الحفاظ على الكميات الكبيرة من الغذاء في الثلاجة.

إذا تركنا الأمر لأقل من نصف نهار، فعيلنا استهلاك كل ما وضعناه في هذا الجهاز الضروري في البيت أو رميه، لا نملك حلاً آخر ألبته. أو، تخيّلوا انتزاع صنبور الماء وانسداد بالوعة المغسلة في المطبخ في وقت واحد، ماذا يحدثّ؟ يمتلئ الخزّان بالمياه ومن ثم تتسرب إلى أرضية البيت، ما يسبب خسارة كبيرة في أساسات البيت، ناهيك بالأثاث والمقتنيات والمستلزمات.

كل ما نحتاجه لتجنب الأضرار في هذه الحالة وهو إغلاق صنبور الماء من ثم فتح البالوعة؛ لا نترك البيت على حاله، ولا ننتقل إلى بيت آخر. لا تختلف أحوال الأرض الأم عن ذلك، وبما أننا لا نملك أرض أخرى كي ننتقل إليها، فعلينا أن نهرع إلى الحلول وإلاّ فقدنا كل شيء.

ما أريد قوله هنا هو: كما يحافظ الفريزر على كامل جسم الثلاثة، تحافظ المحيطات المتجمدة على مجمل بقاع الأرض وأنظمتها البيئية. فهي تبرّد الأرض وتلعب دوراً جوهرياً في دورة المياه وتحمي المدن الساحلية من الغرق وتوفر البيئة المناسبة للعديد من الأنواع وتعكس حرارة الشمس إلى الجو وتخزن كميات هائلة من الكاربون والغازات الأخرى التي لها دور كبير في تسخين الأرض.

ما علاقتنا بالقطب الشمالي وماذا يحدث لو اختفت جباله الجليدية؟

ولو ذابت الكتل الجليدية التي تشكلت عبر مئات الآلاف من السنين، لتعرّضت الأرض ومجتمعاتها وبيئاتها إلى الهلاك، وقلّت إمكانيات الزراعة والحصول على الغذاء، فضلاً عن اختفاء مدن وبلدان بأكملها جراء ارتفاع مستوع سطح البحر.

على مدار 30 السنة الماضية تعرض ما يقارب 13٪ من الجليد البحري في القطب الشمالي إلى الذوبان كل عقد، وإذا استمرت الانبعاثات الحرارية في الارتفاع دون رادع، قد يخلو القطب الشمالي من الجليد في الصيف بحلول عام 2040.

ولن تُنحصَر آثار ما يحدث في القطب المتجمد فقط، بل ستترك آثاراً في جميع أنحاء العالم، ذلك أن مُبرّدَي الأرض (المحيطين المتجمدين) مثل مُحرّك ثلاجات بيوتنا حين يتعطل، يتوقفان عن العمل وتصبح الأرض كرة نار ملتهبة.

بما أن القطب الجنوبي، أنتارتيكا، لازال بعيداً عن الأنظار والأطماع الدولية لاستخراج النفط والغاز، لا يثير شهية وسائل الإعلام إلاّ حين تبلغ درجات الحرارة حدودها القصوى. في المقابل بدأ القطب الشمالي يثير لعاب الدول وشركات النفط والطاقة، وذلك لأنه يخفي الكثير من النفط والغاز والمعادن في باطنه، وقد يتحول جراء الذوبان في مستقبل قريب إلى مجال لصراع دولي جديد.

كرة الثلج المذابة

تشير البيانات إلى أن القطب الشمالي المتجمد يبدو وكأنه كرة ثلج مذابة في المستقبل القريب، الأمر الذي لا يثير قلق المجتمع الدولي بقدر ما يثير لعاب الحصول عما يخفيه ذوبان الأنهار الجليدية.

يُشكّل المحيط المتجمد الشمالي حوالي 6% من مساحة الأرض، ويمتد على مساحة 21 مليون متر مربع. وتشهد المنطقة تراجعاً متسارعاً في المساحات الجليدية جراء الذوبان الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة. وتُقدر المساحات المذابة خلال 30 السنة الماضية بـ 2.48 مليون متر مربع.

ما علاقتنا بالقطب الشمالي وماذا يحدث لو اختفت جباله الجليدية؟
فتح هذا التراجع في الجليد شهية الدول المحيطة بالمحيط المتجمد بغية توسيع نفوذها والهيمنة على الموار الموجودة، ولا يستبعد أن يكون محطّ صراع بين الغرب وروسيا خلال السنوات المقبلة. وبحسب بيانات المعهد الأمريكي للدراسات الجيولوجية، يحتوي القطب الشمالي ما بين 44 إلى 157 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، ما يوازي 22٪ من النفط غير المستخرج في العالم. ويضاف إلى ذلك وجود كميات هائلة من الغاز الطبيعي، ناهيك بالذهب والنحاس واليورانيوم. وتُقدر الثروات الموجودة في هذا المحيط الشمالي المتجمد بتريليوني دولار أمريكي.

ماذا يحدث إذا اختفى المحيط المتجمد؟

كما تمت الإشارة في البداية يُعد القطب الشمالي والقطب الجنوبي ثلاجتا العالم ويحميان الأرض وأنظمته الأيكولوجية من الاختلال.

الدور الأول والأهم الذي يلعبه القطبان هو أنهما يعكسان الحرارة القادمة من الشمس مرة أخرى إلى الجو. وأي انخفاض في المساحات الجليدية يعني انعكاس أقل للحرارة، والمزيد من الحرارة.

ليس هذا فحسب، بل يؤدي اختفاء الجليد إلى فصول شتاء باردة للغاية في مناطق أخرى في العالم، ذلك بسبب تغير مسارات التيار النفاث القطبي، وهو رياح شديدة الضغط وتدور في القطب الشمالي، حيث يتزعزع جراء السخونة وينخفض جنوباً مصحوباً بالبرد القارس.

منذ بداية القرن العشرين، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر على مستوى العالم بحوالي 7-8 بوصات، ويتسارع إيقاع الارتفاع لليوم ويهدد المجتمعات الساحلية والدول الجزرية الصغيرة في العالم.

ما علاقتنا بالقطب الشمالي وماذا يحدث لو اختفت جباله الجليدية؟

يعد الذوبان الجليدي في جرينلاند المؤشر الرئيسي لارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل. وفي حال الذوبان الكامل للجليد في هذا المحيط الشمالي، يمكن أن ترتفع مستويات سطح البحر العالمية 20 قدماً، ما يؤثر بشكل مباشرة على مياه الشرب ودورة المياه الطبيعية، علاوة على حصول دوامات قطبية وموجات الحرارة المتزايدة وعدم القدرة على التنبؤ بالطقس. ومن شأن ذلك ترك آثار مباشرة على المنتوجات الزراعية التي تعتمد عليها النظم الغذائية العالمية.

يضاف إلى كل ذلك، أثر ذوبان الجليد على التنوع الأحيائي حيث تتعرض الحيوانات القطبية إلى الانقراض والهجرات القسرية، ما يترك فجوة كبيرة في السلاسل الغذائية داخل النظام الطبيعي. في ظل ذوبان المحيطات المتجمدة وتختفي الدببة والثعالب والأرانب القطبية، وكذلك البوم الثلجي، والرنة والعديد من الأنواع الأخرى.

إن التربة الصقيعية أو الأرض المتجمدة، تخزن كميات كبيرة من غاز الميثان، فضلاً عن أنواع من الميكروبات والبكتريا.

تالياً، لا يؤدي ذوبانها إلى اطلاق المزيد من غاز الميثان فحسب، بل يحتمل أن يفتح الأبواب أمام ميكروبات وبكتريا مستجدة؛ أي أن فقدان الأرض المتجمدة سيترك آثار سلبية كبيرة على الصحة العامة أيضاً. أما الخوف الأكبر من الذوبان فيأتي من إمكانية تحويل القطب إلى طرق شحن جديدة. تخيلوا المزيد من الحركة والنشاط البشري وحطام السفن والتسرب النفطي في منطقة يتعذر الوصول إليها من أجل التنظيف والسلامة الأيوكولوجية!

مصر والعراق

توصلت دراسة نشرت عام 2019 إلى أن احتمالية زيادة ارتفاع منسوب المياه تفوق التقديرات العالمية القديمة لارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية بثلاثة أضعاف.

وبحسب تلك الدراسة التي اعتمد مؤلفاها نموذج الارتفاع الرقمي، يمكن أن تؤثر هذه الزيادة على سكان المدن الساحلية بحلول عام 2050، الأمر الذي يهدد المدن الساحلية الكبرى في العالم.

وقام مؤلفا البحث بتطوير طريقة أكثر دقة لقياس ارتفاع الأرض وتضاريسها استناداً إلى بيانات الأقمار الصناعية، وهي طريقة قياسية لتقدير آثار ارتفاع مستوى سطح البحر على مساحات واسعة، ووجدا أن الأرقام السابقة المتعلقة بارتفاع منسوب المياه كانت متفائلة للغاية فيما يخص ارتفاع منسوب المياه ومستقبل السواحل.

ما علاقتنا بالقطب الشمالي وماذا يحدث لو اختفت جباله الجليدية؟

أظهر البحث الجديد أن حوالي 150 مليون شخص في فيتنام وتايلاند وكمبوديا والولايات المتحدة الأميركية والصين ومصر والعراق وبلدان أخرى، يعيشون الآن على أراضٍ ستغمرها المياه بحلول منتصف القرن في غياب رادع عالمي لأزمة المناخ. ويلحظ في الصور الرقمية التي قدمها نموذج القياس الرقمي الفرق الهائل بين التقديرات القديمة لارتفاع منسوب مياه البحر وبين التقديرات الجديدة التي يظهرها البحث الجديد.
يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى اختفاء التراث الثقافي وإحداث دمار كبير في مدينة تاريخية مثل الإسكندرية في مصر، ذلك أنها معرضة للاختفاء بسبب المياه المتصاعدة. وفي أماكن أخرى في العالم، قد تؤدي الهجرة الناجمة عن ارتفاع البحار وإغمار الأراضي إلى نشوب صراعات إقليمية أو تفاقم صراعات قائمة أساساً.

أما في جنوب العراق وبحكم انخفاض الأراضي، قد يؤدي هذا الارتفاع في منسوب المياه إلى إغراق البصرة ثاني أكبر مدينة في البلاد، بحلول عام 2050، فضلاً عن أجزاء واسعة في محافظتي ميسان وذي قار.
إن حدوث مثل هذا التغير في منسوب المياه في العراق سيؤدي إلى هجرات داخلية هائلة بحثاً عن السكن والغذاء والشرب وقد تمتد آثاره إلى خارج البلاد بسبب فقدان الأراضي، ما يهدد بالمزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي ليس في العراق وحده، بل في المنطقة بأكملها.

يشير جون كاستيلو، وهو جنرال متقاعد في البحرية الأميركية ومستشار في مركز المناخ والأمن في الولايات المتحدة الأميركية، إلى أن حدوث هذا التغير قد يشعل نزاعات مسلحة ويزيد من احتمال تفاقم الإرهاب، ذاك أن المشكلة برأيه ليست مجرد بيئية، بل هي مشكلة إنسانية وأمنية، وربما عسكرية.

قصارى القول، المحيطات المتجمدة تشبه فريزر ثلاجات بيوتنا أو صنابير مغاسلنا، علينا أن نهرع إلى إصلاح ما تم تخريبه عبر التاريخ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هەر دەوڵەتێکی کوردی لەم دۆخەدا لە دایکبێت، وەک ئەوەی باشوری سودان دەبێت*

خالد سلێمان سیاسەتی ڕاستەوخۆ، ناڕاستەوخۆی شانشینی سعودی، قەتەر، تورکیا بەرامبەر عیراق و سوریا، لە حەڵەتی پاشەکشەی یەکجارەکی پرۆژەی دەسەڵاتێکی ئیسلامی ( ئیخوان، بەرەی نوسرە، ئەحراری شام، سوپای ئیسلام .. هتد ) ، کار بۆ دامەزراندنی کیانێکی سوننەی سەربازی دەکات، کە دور نیە، بەعسیەکانی ناو داعش، تۆوی ئەو کیانە بن . یانی داعشیش بەشێک دەبێت لە نەخشە سعودی - قەتەری - تورکیەکە .  ئێستا هەوڵی هەرسێ جەمسەرەکە لەوەدا کۆدەبێتەوە، چۆن لە ڕێگەی پارتی دیموکراتی کوردستان و پارتە کوردیەکانی ناو ئیئتلافی ئۆپۆزسیۆنی سوریاوە، کوردیش بەشێک بێت لەو کیانە سوننییە . لەوانەیە ئەمە باشترین دەروازە بێت بۆ تەماشاکردنی دیمەنی هەرێمی کوردستان، کە لە ڕوی سیاسی و ئابوری و کۆمەڵایەتییەوە لە خراپترین ئاستیدایە، بگرە لەبەردەم داڕوخانێکدایە کەس مەزەندەی دەرەنجامەکانی ناکات . بەڵام ئەوەی لەناو دیمەنێکی سیاسی، سۆسیۆ - ئابوری خراپی وەک ئەوەی ئەمڕۆماندا، هەژمونی خۆی هەیەو ڕای

ئاین لەمیتۆدەکانی پەروەردەی کوردستاندا ‌

خالد سلێمان‌ 15/5/2015 ساڵی ٢٠١٢ لەبەر ڕازی نەبونی مەسیحیەکان و کاکەییەکان لەسەر ئەو بەشانەی لە کتێبی “ئاین ناسی” لە میتۆدی خوێندندا، ئەو دوو چاپتەرەی بۆ ئەوان  لە کتێبەکەدا دانرابون لە سەر خواستی خۆیان  لابران. ئەمە هەنگاوی یەکەمی ئەو قەیرانەی پەروەردەیە کە تا ئەم ساتە لە کوردستاندا بەردەوامە. مەسیحییەکان پێیان وابو کە چیرۆکی لە دایکبونی مەسیح بەشێوەیەکی ناڕاست نوسرابو، بۆیە داوای لابردنیان کرد. ئەوەی پەیوەست بو بە کاکەییەکانەوە، بوون بەدوو بەشەوە، بەشێکیان پێیان وایە ئەوان موسڵمانن و نابێت وەک ئاینێکی جیا تەماشا بکرێن، بەشێکی تریان پێیان وایە کە ئاینەکەیان جیایەو ئەوەی لە میتۆدەکەدا نوسراوە ڕاستە. ئەم جیاوازیەش لای ئەوان بوە هۆی لابردنی ئەو بەشەی لە کتێبەکەدا لەسەر کاکەیی نوسرابو. کتێبی ئاینناسی لە قۆناغەکانی  (١٠، ١١، ١٢)ی خوێندندا لە پێناو ئەوەدا بوو کە خوێندکارانی کوردستان جگە لە ئاینی ئیسلام ئاینەکانی تریش بناسن، بەڵام پرۆژەکە لەسەرەتادا - بەتایبەتی لە کتێبی قۆناغی ١٢دا- توشی دوو گرفت بوو، یەکەمیان ئەوەبو کە وانەکانی خوێندن لەسەر مەسیحی و ئێزدی و کاکەیی و ئاینەک...

أزمة المياه تهدّد الشرق الأوسط.. والعراق على الخط الأحمر

خالد سليمان  يشير مدير المعهد العلمي للبيئة في جامعة جنيف مارتن بينيستون إلى ذوبان شبه كلي لثلوج جبال الألب نهاية القرن الحالي، حيث لا يبقى سوى القليل منه في الأعالي. يعود سبب ذوبان هذه الثلوج التي تغذي أنهار (راين، دانوب، بو، رون) ويعتمدها ١٦٠ مليون نسمة في غالبية أنحاء أوروبا للزراعة والنقل والطاقة والغذاء، إلى التغيير المناخي وارتفاع درجات حرارة الأرض، ناهيك عن الازدياد السكاني حيث تشير الإحصائيات المتوقعة إلى وصول نسبة سكان المعمورة إلى ١٠ ملايين نهاية هذا القرن.  كانت هذه الصورة بداية لمؤتمر دولي بعنوان “السلام الأزرق” حول دور المياه في السلام والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط نظمه Stratigic Foresight Group وجامعة جنيف بالتعاون مع وكالة سويسرا للتنمة والتعاون الاسبوع الثاني من شهر أكتوبر ٢٠١٥.