التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طهاة الإعلام الاجتماعي.. يلتهمون طبخاتهم ويُشبعون المُتابع قهراً

 

خالد سليمان

30/11/2022


كيف يؤثر الإعلام على المتابعين؟

يحتل الطباخون حول العالم أوسع مساحة في شبكات التواصل الاجتماعي، وتتابعهم أعداد كبيرة من مستخدمي منصات الإعلام الاجتماعية، ما يساهم في سرعة الوصول المذهلة إلى عقول المتابعين عبر أجواء الطبخ والوجبات اللذيذة التي يقدمونها، وتتخللها بطبيعة الحال وجبات من الإعلانات تقدمها كل منصة اجتماعية توفر خدمات الفيديو. لقد أصبح المحتوى المتكرر والمُقَلّد الذي يقدمه الطهاة أو “الطباخون الجدد” مجالاً لتنافس كبير بين من يمتهن فنون الطبخ وبين هواة الطبخ.

بموازاة ذلك، ظهر مقّلدو صانعي المحتوى الطبخي، لهم منصات اجتماعية خاصة بهم على اليوتيوب، الفيسبوك وانستغرام… الخ، يروجون عبر الطبخ أو التهامه فقط، لشركات ومطاعم ووكلاء للمنتجات الغذائية. وقد دفعت سهولة الاستثمار في الغذاء والطبخ عدد ملحوظ من مستخدمي المنصات الاجتماعية اللجوء إلى الابتذال والبهرجة من أجل الدعاية والمال. ويمكن الإشارة في هذا السياق الى تجربة شاب عراقي لا يجيد الطبخ وفنونه، انما يجد طرق غريبة في التهام الأكل عبر حساباته على الفيسبوك واليوتيوب، ويتابعه مئات الآلاف من المتابعين في العراق والعالم العربي.

طهاة الإعلام الاجتماعي.. يلتهمون طبخاتهم ويُشبعون المُتابع قهراً

الفقراء يلتهمون قهراً

يبتكر هذا الصنف من مستخدمي الشبكة الافتراضية طرق ووسائل يمكن وصفها بالشرهة في التهام اللحوم والوجبات اذ لا يلتزمون بأية قواعد مهنية وأخلاقية تجاه المتابعين. ففي بلد مثل العراق حيث يتعرض فيه التنوع الأحيائي الى الفقدان والتدهور، بخاصة من ناحية الحيوانات البّرية وتناقص أعدادها جراء الجفاف الصيد الجائر، لا تتردد نجوم في الاعلام الاجتماعي بعرض غزلان، يتم اصطيادها في البرّية، للذبح وتقديم لحومها للزبائن. ليس الكلام هنا عن الرفق بالحيوانات بقدر ما يرتبط بأنواع منها تتعرض للانقراض، ناهيك بظروف قاسية تعيشها تلك الحيوانات من جهة المكان والغذاء وحرمانها من أنماط حياتها البرّية.

وبما ان الفضاء الافتراضي لا تحده قيود جغرافية وثقافية ووطنية، باتت منصات الطبخ على شبكات الاعلام الاجتماعي المرئي، تستقطب المتابعين من كل الجهات، حتى من الأقاليم والمناطق والمدن الأشد فقراً.

وفي هذا الأمر مفارقة غريبة لم يتوقف عندها الإعلام العربي أو الهيئات المختصة بالبحوث والاستطلاع حول الغذاء، وهي حدوث نوع من الانشطار في واقع المجتمعات العربية: قَدَم في الفقر والعوز بين غالبية فئات اجتماعية واسعة في بلدان مثل سوريا، اليمن، لبنان، تونس والعراق، وأخرى في تخوم صور شهية توفرها شبكة الأنترنيت عبر الهواتف الشخصية الجوالة.

اختصاراً، تبدو صورة الطبخ في المنصات المهيمنة على عقول مستهلكي المحتوى الغذائي، كشكل من أشكال مجتمع استعراضي قد يصعب العثور عليه في الواقع. ففي المجتمع السوري على سبيل المثال حيث تواجه أزمات خانقة في الغذاء والطاقة والمياه جراء حرب مزقت أوصال الاقتصاد ومصادر العيش، صار انتظار طوابير من الناس أمام المخابز مشهداً يومياً وصار شراء اللحوم وتناولها بالأشكال المعتادة ضرباً من الخيال. مقابل ذلك، يقدم طهاة السوريون من المهجر استعراضا غير مألوف من البذخ تبدو فيها اللحوم والعناصر الغذائية الأخرى سيدة المائدة.

وبما أن الطهاة الجدد، على الأغلب، يعيشون في المغتربات ولديهم الموارد اللازمة لإنتاج المحتوى الغذائي، لا تقتصر الصورة على الطهي والمائدة فحسب، بل تشمل التنقل في الأسواق والقدرة على الشراء ومستلزمات الطبخ بدءً من المطبخ وصولاً الى مصادر الطاقة والتسهيلات الأخرى.

وبعد الانتهاء من كل وجبة دسمة، يلتهم الطاهي طبخته عبر شاشته الصغيرة متلذذاً بما طبخه وقدمه لمستهلك الإعلام الاجتماعي، إنما في الواقع يشبعه قهراً، ذلك ان ضفة هذا المتابع خالية من الطعام والموارد التي يتباهى بها “الشيف”.

 

كرم افتراضي بلا حدود

القصة وما فيها، هي صور شهية لأطباق متنوعة تشير في الغالب الى كَرَم بلا حدود في طرفي العالم الافتراضي؛ الطرف الأول فاعل ومؤثر، يطبخ ويقضي على “اللقمة الشهية”، بينما يقف الطرف الآخر (المتابع) بين الصورة المشبعة بالمتعة الافتراضية والواقع الفقير غذائياً. كتف خاروف كامل أو نصف خاروف أحياناً، كميات متنوعة من الخضار والبهار والمنكهات، تسخين الفرن قبل الإعدادات بفترة لا تقل عن نصف ساعة، ومن ثم وضع اللحوم في الفرن لساعات كي تستوي وتكون “مهترئة”. انها الصورة المؤثرة في نفوس المنفعلين مع المشهد.

وأثناء أعداد الطعام وتقديمه، يعتد أغلب الطهاة عبر نوافذ منصاتهم الإعلامية على اللقطة القريبة CU أو اللقطة القريبة جداً Extreme CU، وذلك من أجل إظهار اللمسة المهنية والفنية لكل طاه. “انه من أجل صحتك لا من أجل شيء آخر”، هذا ما يكرره الطهاة الافتراضيين عبر امتلاكهم لسطوة الصورة.

لا يستهدف هذا المقال الطهاة العرب على الأنترنيت، فهناك من ينتج المحتوى دون الإغراق في الاستعراض من أجل الاستعراض، انما هو محاولة لمعالجة ظاهرة لا يمكن حصرها في حدود الحرية الشخصية او حرية التعبير، بخاصة ان الطهي اجتاز حدود جدران المبطخ التقليدي وأصبح جزءً من المجتمع الاستعراضي. بناءً على ذلك يمكن نقده والحديث عنه كجزء من الشأن العام. ولو أجرينا استطلاعاً للرأي العام نستنتج بأن الأحاديث حول المطابخ المنتشرة عبر المنصات الاجتماعية تفوق السجالات حول السياسة والأمن والاقتصاد.

يتعلق الأمر من جانب آخر بتفاوت كبير بين قدرة الوصول الى المحتوى الغذائي على الأنترنيت وبين عجز الحصول على المنتج، ما يتجاوز مسألة الإعجاب والمتابعة، بخاصة ان الصفحات الخاصة بالطهي تجني الأموال وراء الإعلانات التجارية. وبما ان ثلاثية (المتابعة، المشاركة، التفاعل) هي من تقف وراء جني الأرباح، يجوز لنا كصحفيين تناول الموضوع وجعله موضع النقد مثل باقي بيئات المعلومات الأخرى.

أسوق هذا الرأي في سياق سجال عام حول قلة الموارد الغذائية جراء الجفاف الناجم عن تغير المناخ، الحروب والتزايد السكاني.. الخ من العوامل في العالم العربي، سيما ان ظاهرة “الفرجة الغذائية” في حال الانتقال من الويب 2.0 (المركزي) الى الويب 3.0 حيث من المتوقع ان يعزز إدارة لامركزية للمستخدمين، سوف يزيد التفاوت بين ملتهمي طبخاتهم وبين مستهلكي المحتوى الخيالي.

ان الهيمنة الكلية هنا هي للصورة ولا شيء يضاهيها سوى الفصل المطلق بين الواقع والمتخيل. انها صورة انفصلت عن كل جوانب الحياة المشتركة التي نعيشها، وتحاول اصهار ما نفتقد اليه في وحدة مزيفة. ويشكل الغذاء ذلك المجال الخصب الذي يحاول فيه صانعو المحتوى الاستعراضي دمج الفاعل والمنفعل في عالم مقلوب، وترك الواقع وراءنا في عالم مُزيف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هەر دەوڵەتێکی کوردی لەم دۆخەدا لە دایکبێت، وەک ئەوەی باشوری سودان دەبێت*

خالد سلێمان سیاسەتی ڕاستەوخۆ، ناڕاستەوخۆی شانشینی سعودی، قەتەر، تورکیا بەرامبەر عیراق و سوریا، لە حەڵەتی پاشەکشەی یەکجارەکی پرۆژەی دەسەڵاتێکی ئیسلامی ( ئیخوان، بەرەی نوسرە، ئەحراری شام، سوپای ئیسلام .. هتد ) ، کار بۆ دامەزراندنی کیانێکی سوننەی سەربازی دەکات، کە دور نیە، بەعسیەکانی ناو داعش، تۆوی ئەو کیانە بن . یانی داعشیش بەشێک دەبێت لە نەخشە سعودی - قەتەری - تورکیەکە .  ئێستا هەوڵی هەرسێ جەمسەرەکە لەوەدا کۆدەبێتەوە، چۆن لە ڕێگەی پارتی دیموکراتی کوردستان و پارتە کوردیەکانی ناو ئیئتلافی ئۆپۆزسیۆنی سوریاوە، کوردیش بەشێک بێت لەو کیانە سوننییە . لەوانەیە ئەمە باشترین دەروازە بێت بۆ تەماشاکردنی دیمەنی هەرێمی کوردستان، کە لە ڕوی سیاسی و ئابوری و کۆمەڵایەتییەوە لە خراپترین ئاستیدایە، بگرە لەبەردەم داڕوخانێکدایە کەس مەزەندەی دەرەنجامەکانی ناکات . بەڵام ئەوەی لەناو دیمەنێکی سیاسی، سۆسیۆ - ئابوری خراپی وەک ئەوەی ئەمڕۆماندا، هەژمونی خۆی هەیەو ڕای

ئاین لەمیتۆدەکانی پەروەردەی کوردستاندا ‌

خالد سلێمان‌ 15/5/2015 ساڵی ٢٠١٢ لەبەر ڕازی نەبونی مەسیحیەکان و کاکەییەکان لەسەر ئەو بەشانەی لە کتێبی “ئاین ناسی” لە میتۆدی خوێندندا، ئەو دوو چاپتەرەی بۆ ئەوان  لە کتێبەکەدا دانرابون لە سەر خواستی خۆیان  لابران. ئەمە هەنگاوی یەکەمی ئەو قەیرانەی پەروەردەیە کە تا ئەم ساتە لە کوردستاندا بەردەوامە. مەسیحییەکان پێیان وابو کە چیرۆکی لە دایکبونی مەسیح بەشێوەیەکی ناڕاست نوسرابو، بۆیە داوای لابردنیان کرد. ئەوەی پەیوەست بو بە کاکەییەکانەوە، بوون بەدوو بەشەوە، بەشێکیان پێیان وایە ئەوان موسڵمانن و نابێت وەک ئاینێکی جیا تەماشا بکرێن، بەشێکی تریان پێیان وایە کە ئاینەکەیان جیایەو ئەوەی لە میتۆدەکەدا نوسراوە ڕاستە. ئەم جیاوازیەش لای ئەوان بوە هۆی لابردنی ئەو بەشەی لە کتێبەکەدا لەسەر کاکەیی نوسرابو. کتێبی ئاینناسی لە قۆناغەکانی  (١٠، ١١، ١٢)ی خوێندندا لە پێناو ئەوەدا بوو کە خوێندکارانی کوردستان جگە لە ئاینی ئیسلام ئاینەکانی تریش بناسن، بەڵام پرۆژەکە لەسەرەتادا - بەتایبەتی لە کتێبی قۆناغی ١٢دا- توشی دوو گرفت بوو، یەکەمیان ئەوەبو کە وانەکانی خوێندن لەسەر مەسیحی و ئێزدی و کاکەیی و ئاینەک...

أزمة المياه تهدّد الشرق الأوسط.. والعراق على الخط الأحمر

خالد سليمان  يشير مدير المعهد العلمي للبيئة في جامعة جنيف مارتن بينيستون إلى ذوبان شبه كلي لثلوج جبال الألب نهاية القرن الحالي، حيث لا يبقى سوى القليل منه في الأعالي. يعود سبب ذوبان هذه الثلوج التي تغذي أنهار (راين، دانوب، بو، رون) ويعتمدها ١٦٠ مليون نسمة في غالبية أنحاء أوروبا للزراعة والنقل والطاقة والغذاء، إلى التغيير المناخي وارتفاع درجات حرارة الأرض، ناهيك عن الازدياد السكاني حيث تشير الإحصائيات المتوقعة إلى وصول نسبة سكان المعمورة إلى ١٠ ملايين نهاية هذا القرن.  كانت هذه الصورة بداية لمؤتمر دولي بعنوان “السلام الأزرق” حول دور المياه في السلام والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط نظمه Stratigic Foresight Group وجامعة جنيف بالتعاون مع وكالة سويسرا للتنمة والتعاون الاسبوع الثاني من شهر أكتوبر ٢٠١٥.