خالد سليمان
12/12/2022
شارع الوزراء في إيران.. من هنا بدأت الأزمة
- تم القبض على مهسا أميني وتعذيبها في شارع الوزراء
- يحاول النظام إظهار نفسه كحام للدين والتقاليد الاجتماعية عبر الحجاب
قبل تعذيب وقتل مهسا أميني من قبل شرطة الأخلاق في طهران، بفترة ليست طويلة، ذهبت امرأة كُردية من مدينة مهاباد إلى العاصمة من أجل العلاج الطبي.
أثناء البحث عن العيادة التي قصدتها في أحد شوارع طهران، لم تنتبه بأن خصلة من شعرها اخترق محرمات النظام الإيراني، وبدت ظاهرة للعيان مما تطلب تدخل شرطة الأخلاق. تم القبض عليها فوراً وإحضارها إلى شارع “الفزراء” أو الوزراء السيئة الصيت في العاصمة طهران.
خريطة توضح حدود العاصمة الإيرانية طهران
ومن هناك أجبرت شرطة الأخلاق زوجها الحضور من مهاباد إلى طهران كشرط لإطلاق سراحها. حين حضر الزوج اكتشف بأن استدعاؤه شخصياً لا يتعلق بإطلاق سراح زوجته فقط، بل بإعادة تأهيله هو شخصياً وفق سياسة إيران البيداغوجية-الإكليركية، ذلك لأنه لم يُعلّم زوجته الالتزام بالقوانين الجائرة التي وضعها نظام المُلالي بحق المرأة الإيرانية.
لم تكتف شرطة الأخلاق بإهانة الزوج بسبب ظهور خصلة من شعر زوجته بكلمات نابية فقط، بل فرضت عليه إعادة التأهيل الاجتماعي والثقافي، ذلك أن الزوجة تجاوزت رمز السلطة في إيران ولم تخف شعرها وفقاً لشروط شرطة الأخلاق.
بحسب صحفية وناشطة إيرانية، تقدم هذه الرواية نموذجاً واضحاً من أساليب إهانة الإنسان والتقليل من شأنه وكرامته في جمهورية المُلالي.
وتشير شيدا حسامي، وهي صحفية وناشطة حقوقية عملت في إيران، كما تعمل الآن على مشاريع صحفية خاصة بالنساء في العراق، اليمن وسوريا، إلى أن تجاوز خطوط الحجاب من وجهة نظر المُلالي في إيران، هو في الأصل تجاوز للمنظومة الأمنية القمعية التي تحمي النظام؛ أي ان المسألة ليست دينية كما يريد الإعلام الحكومي الإيراني تسويقها، بل هي مسألة تتعلق في الجوهر برمز من رموز نظام الحكم.
لقد تم القبض على مهسا أميني وتعذيبها في شارع الوزراء ذاته، ما أدى إلى موتها على يد عدد من أفراد شرطة الأخلاق الإيرانية.
وقد فتح موت الشابة الكُردية الإيرانية الباب أمام احتجاجات واسعة في جميع المدن الإيرانية ضد نظام الحكم. لقد ذهبت مهسا، 22 عام، برفقة شقيقها من مدينة (سنه) في كُردستان إلى طهران بتاريخ 13 من هذا الشهر (سبتمبر 2022) واعتقلتها شرطة الأخلاق بسبب عدم تطبيقها حذافير الحجاب المفروض على النساء.
وقال شقيقها إن مهسا حاولت أن تشرح لعناصر شرطة الأخلاق بأنها غريبة في طهران، واعتادت أن ترتدي الحجاب بطريقتها الحالية في مدينتها سنه، إنما لم تفد محاولتها وساقوها للسجن وماتت بعد أيام تحت شدة الضرب.
تقول شيدا حسامي، “لقد جعل نظام الحكم في إيران الحجاب رمزاً له ولسياساته القمعية، الأمر الذي يدفع الناس إلى كسر هذا الرمز، خاصة من قبل النساء”.
يحاول النظام بحسب حسامي إظهار نفسه كحام للدين والتقاليد الاجتماعية عبر الحجاب، إنما للأمر بُعد أمني وسياسي ولا تربطه علاقة بالديني ولا الاجتماعي.
وبما أن النظام جعل من الحجاب رمزاً له، فمن الطبيعي أن يلجأ الناس إلى تحطيم رموز الحكم قبل المواجهة مع أجهزته القمعية.
وهناك فرق واضح بطبيعة الحال بين الحجاب كخيار شخصي وضمن الحريات الفردية وبين الحجاب السياسي الذي يفرضه النظام السياسي الإيراني. ومن هذا المنطلق تتحدث الناشطة الإيرانية عن أهمية التركيز على الجانب الرمزي للمسألة وليس الجانب الديني، الفردي والاجتماعي الذي طالما أراد نظام المُلالي الاستثمار فيه.
بناءً على ما ذكر، لن يغير قرار إلغاء شرطة الأخلاق شيئاً من واقع نظام سياسي بنيت أركانه على التدخل ليس في الخيارات السياسية والأخلاقية العامة فقط، بل في الخيارات الشخصية والأخلاقيات الفردية. لا يتعلق الأمر تالياً بجهاز قمعي بدأ بمنع النساء من تناول التفاح في المدارس والجامعات بعد سيطرة الخميني على السلطة عام 1979 وانتهى بالتعذيب والقتل بعد ما بقارب نصف قرن من تغيير النظام الملكي في إيران، بل يتعلق بمنظومة كاملة يخضع فيها ما هو اجتماعي وفردي وثقافي الى المؤسسات الأمنية التي تحمي نظام الحكم.
تتجاوز ممارسات شرطة الأخلاق ومجمل فروع الشرطة الأخرى مراقبة أجساد النساء ورؤوسهن المغطاة قسراً برموز نظام المُلالي، بل تذهب إلى أبعد الحدود وتتدخل في الوعي الاجتماعي الذي يسمح للمرأة أن تكون صاحبة خياراتها وقراراتها، بما في ذلك حرية وضع الحجاب وعدم وضعه.
وفي الحقيقة، لا تُحمّل السلطات الإيرانية المرأة التي تتجرأ وتظهر خصلة من شعرها فقط، بل لا تعاملها كإنسان راشد وصاحبة قرار، ويعود لذويها بغية معاقبتها، زوجها أو والدها أو شقيقها، لأنهم هم من سمحوا لها بالتصرف على نحو مغاير مع شروط جمهورية القسوة.
والعقوبة كما تمت الإشارة فهي إعادة التأهيل لـ”ولي الأمر” وإعطائه دروساً تعليمية حول ضرورة الحجاب في الجهورية الإسلامية الإيرانية. إن النقطة الرئيسية التي تلفت الانتباه هنا، هي معاملة المرأة كأي طفل صغير في مراحل التعليم الابتدائية وعدم الاعتراف بقدرتها العقلية على اتخاذ القرارات. ولا تكمن خطورة هذا السلوك التعسفي في سلب حرية المرأة وخياراتها في الحياة فحسب، بل تتجاوز ذلك وتشك في إمكاناتها العقلية.
قصارى القول، قرار إلغاء شرطة الأخلاق لن يغير شيئاً دون تغيير العقلية الاستبدادية المتخلفة التي أسس المُلالي نظامهم الشمولي، ويمثل شارع الوزراء الرمز الأوضح لهذا النظام.
تعليقات