خالد سليمان
لو تكّلمت السلاحف النهرية العملاقة في حوض نهر الأمازون عن سرقة بيوضها، لو نطقت النباتات في جزر الكاريبي وعبرت عن تعرضها للإبادة البيئية، ولو غنّى طيرا البطريق الكبير في الشمال الأطلسي والدودو في جزر المحيط الهندي وتحدثا عن حكايات انقراضهما على يد الأوروبيين، لحصلنا على رواية مختلفة عما نقرأه اليوم عن الغزو الأوروبي للعالم نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر. رواية عنوانها “الاستعمار”، تكشف تاريخاً عما يتداول عن بداية التغيّر المناخيّ وتدمير البيئة.
وجد الملاحون الأوروبيون أوائل القرن السابع عشر في نهر الأمازون مئات السلاحف النهرية العملاقة، أو الطفاشة، في قرى السكان الأصليين في أميركا الجنوبية. كانت أعداد السلاحف المتجمعة بالقرب من الشواطئ وفيرة بما يكفي لإعاقة حركة الملاحة في نهر ماديرا. وجود تلك الطفاشات كان كفيلاً بفتح شهية المُستعمرين، الذين تاجروا بلحوم السلاحف، وسرقوا بيوضها لتوليد الطاقة والغذاء.
يُعد استخراج الزيت من بيض السلاحف بغية الإضاءة والطهي اكتشافاً يوازي بأهميته اكتشاف القارة الأمريكية بعينها. فإنتاج ما يقارب مائتي رطل من الزيت عام 1719 في أعالي الأمازون فقط؛ كان علامة على انتصار عظيم للمستعمرين، لكنه قضى على حياة 24 مليون سلحفاة لم تخرج من البيض بعد. ووصف علماء الأحياء تلك الممارسة الجائرة بالقتل الافتراضي، كون السلحفاة لم تغادر البيضة بعد.
استمر المستعمِرون في القضاء على هذا النوع من مجتمع السلاحف الأمازوني قبل الولادة، إلى أن أصبح بيض هذه السلاحف صناعة مربحة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إذ كان يتم حصاد ما لا يقل عن 48 مليون بيضة سنوياً لتزويد صناعة الزيوت والأنوار في البيوت الأوروبية.
تم القضاء على أعداد هائلة من السلاحف الطفاشة، ما ترك آثاراً مدمرة على التنوع الحيوي والنظام البيئي لمنطقة حوض الأمازون، التي تعاني إلى اليوم من التركة الاستعمارية الثقيلة، إذ يواجه هذا النوع من السلاحف اليوم خطر الانقراض في حوض الأمازون، والسبب، إضاءة أوروبا خلال الفترة الاستعماريّة.
تم القضاء على أعداد هائلة من السلاحف الطفاشة، ما ترك آثاراً مدمرة على التنوع الحيوي والنظام البيئي لمنطقة حوض الأمازون.
تاريخ بلا تاريخ
أصبح من المألوف الإشارة الى الثورة الصناعية كلما تم التطرق إلى أسباب الاحترار العالمي، وكأن الطبيعة قبل اختراع المحرك البخاري في بريطانيا عام 1712، والذي نجم عنه العصر الصناعي في أوروبا والعالم، كانت بِكراً ولم تكن قد وصلت إليها يد الإنسان بعد! لكن هل يمكن تصديق هذه الرواية؟ وماذا بشأن تدمير نظم بيئية بأكملها قبل الاحترار العالمي؟
تتداخل ظاهرتا “تغير المناخ” و”الاحترار العالمي” ضمن الرواية الرأسمالية، علماً أنهما مختلفتان في الحقيقة، إذ غيّر العلماء التسمية من “الاحترار العالمي” إلى “تغير المناخ”، ربما للتخفيف أو تشتيت الانتباه عن “الصناعة” ودورها في تدمير المناخ، وجعل المظلة اللغويّة تتسع لتشمل معظم الممارسات البشريّة، لا الصناعات الثقيلة التي تتهم الدول الاستعماريّة والدول المصدرة للنفط بالتسبب بها.
ما أصبح حقيقة لا جدل فيها، هو أن الإنسان لعب دوراً ملحوظاً في التغيرات الحاصلة على الأرض عبر إحراق المزيد من الوقود الأحفوري المتسبب بارتفاع درجة حرارة الأرض، لكن المفارقة تكمن بأن الرواية الرأسماليّة تخلو من حديث عن تدهور بيئي قبل الثورة الصناعية، بما في ذلك القضاء على طفاشات الأمازون.
يشير كل من مصطلحي الاحترار العالمي وتغير المناخ إلى مشكلات معينة، مختلفة الأصل، إذ يحيل مفهوم الاحترار العالمي إلى ارتفاع الحرارة في العالم على مدى البعيد، وتمت ملاحظته بداية في أواسط القرن التاسع عشر. يرتبط هذا المصطلح على وجه التحديد بالثورة الصناعية، التي أدت إلى الإفراط في استخدام الوقود الأحفوري، ما أدى إلى زيادة معدلات الكربون في الغلاف الجوي للأرض وارتفاع درجات الحرارة.
في المقابل، يشير مصطلح تغير المناخ إلى تغيرات في مسارات الطقس، لا في معدلات الحرارة فقط. هذه التغيرات أصبحت ظاهرة للعيان على مستويات محلية وعالمية، لكنها في الوقت ذاته، تحتاج الى وقت طويل كي نشعر بآثارها والتدهور الناجم عنها في النظم البيئية المائية والبرّية.
تبرز هنا مفارقة أخرى وهي حصول تدهور بيئي ناجم عن ممارسات استعمارية جائرة في الكثير من المناطق في العالم، قبل ظهور آثار تغير المناخ بقرنين؛ أي أن التدهور في النظم البيئية سبق الاحترار العالمي لا العكس كما تريد الأدبيات العلمية تسويقه.
يبدأ تاريخ الاحترار العالمي وفق الرواية الرسمية من القرن التاسع عشر، بعدما أدت الثورة الصناعية إلى انتشار المصانع حول العالم، ما أدى إلى ارتفاع تدريجي في حرارة الأرض. وتوصلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عام 2018 إلى نتيجة مفادها أن “الأنشطة البشرية تسببت في ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.0 درجة مئوية تقريباً فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي”.
المصدر: موقع درج
تعليقات