باتريك سيل
*
الجمعة ٣ أغسطس ٢٠١٢
فيما تتجه أنظار
العالم نحو معركة الحياة أو الموت التي يخوضها الرئيس بشار الأسد مع أعدائه
المحليين والخارجيين، انتهز الأكراد الفرصة بغية تعزيز أجندتهم السياسية الخاصة.
فبرز تطوّر مهمّ تمثّل في استيلاء القوات الكردية خلال الأيام الأخيرة على خمس قرى
في شمال سورية تقيم فيها أكثرية كردية وتقع على الحدود مع تركيا. وسمحت الحكومة
السورية لهم القيام بذلك بعد أن سحبت قواتها من هذه المنطقة. وأحيت هذه الأحداث
مخاوف قديمة في تركيا والعراق وأثارت فرحاً صامتاً في إسرائيل التي طالما أقامت
علاقة شبه سرية مع الأكراد ورحّبت بأيّ تطوّر من شأنه إضعاف سورية أو تقطيع
أوصالها.
تُعتبر السياسة
الكردية معقدّة للغاية. وفي هذا الإطار الراهن، تستحق بعض المجموعات التالية عناء
التوقّف عندها:
* حزب الاتحاد
الديموقراطي الذي تشكّل عام 2003 والذي يقوده صالح مسلم محمّد. ويعدّ المجموعة
الكردية الوحيدة الأقوى في سورية. ولم تتردّد هذه المجموعة المسلّحة والمنضبطة في
استخدام القوة ضد خصومها ومعارضيها.
* المجلس
الوطني الكردي الذي تشكّل في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011. يعدّ ائتلافاً سياسياً
غير متين (وغير مسلّح) يضمّ أحد عشر حزباً أو فصيلاً كردياً سورياً.
* حزب العمّال
الكردستاني الذي يعدّ منظمة كردية مناضلة في تركيا شنّت حرباً ضد الدولة التركية
للحصول على استقلال الأكراد خلال العقود الماضية. وتعتبر أنقرة حزب العمّال
الكردستاني منظمة إرهابية وطالما قصفت قواعده السرية في جبال قنديل، شمال العراق.
ويبدو أنّ حزب الاتحاد الديموقراطي السوري مرتبط بشكل وثيق بحزب العمّال
الكردستاني ويذهب البعض إلى حدّ وصفه بأنه الجبهة السياسية له.
* الحكومة
الإقليمية في كردستان التي تعدّ كياناً كردياً شبه مستقل شمال العراق حيث يصل عدد
سكان هذه المنطقة إلى نحو 5 ملايين نسمة. إربيل هي عاصمتها وزعيمها هو الرئيس
مسعود بارزاني الذي انتُخب لأوّل مرة عام 2005 وأعيد انتخابه عام 2009.
نشأت هذه المنطقة
المستقلة الكردية من الحروب الطويلة التي شنّها الرئيس العراقي السابق صدّام حسين
ضد الأكراد. وولدت حكومة إقليم كردستان في شكلها الحالي بعد حرب الخليج الأولى عام
1991 حين قدّمت الولايات المتحدّة الحماية للأكراد من خلال فرض حظر جوي شمال
العراق. وتمّ تعزيز حكومة إقليم كردستان حين غزت الولايات المتحدّة وبريطانيا
العراق عام 2003 وأطاحت بصدّام حسين وحضّرت الأرضية لإعادة تشكيل العراق كدولة
فيديرالية تحظى بكيانين عربي وكردي منفصلين.
هذه هي خلفية التحالف
الذي فاوض عليه الرئيس بارزاني في إربيل في 11 تموز (يوليو) بين حزب الاتحاد
الديموقراطي والمجلس الوطني الكردي، ما أعطاهما مسؤولية مشتركة على طول الخط
الحدودي بين سورية وتركيا، علماً أنّ حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يعدّ الشريك
الأقوى يتولى إدارة الدفة. وساهم انسحاب القوات السورية في جعل تسلّم الأكراد زمام
الأمور ممكناً.
والجدير ذكره أنّ هذه
الأحداث قضت على طموحات بعض المناضلين الأكراد الذين فكّروا في إمكان ولادة حكومة
إقليمية كردية شمال سورية مثل تلك التي تشكّلت شمال العراق. ونشرت النسخة
الإنكليزية من الصحيفة اليومية الكردية العراقية «روداو» مقالاً في 23 تموز
(يوليو) كتبه الصحافي الكردي هوا عثمان حيث قال: «المنطقة الكردية لسورية؟ نعم
إنها ممكنة. لقد حان الوقت للإعلان عنها». وذهب الصحافي التركي محمد علي بيراند أبعد
من ذلك حين كتب أنه «يتمّ تأسيس دولة كردية كبيرة» قد تربط المناطق الكردية
المستقلة في تركيا والعراق وسورية بعضها ببعض.
وتشعر تركيا بالقلق
جرّاء بروز الأهداف الكردية التوسعية من جديد. فقد اتهم رئيس الوزراء رجب طيّب
أردوغان سورية بتسليم المناطق الكردية في الشمال لحزب العمّال الكردستاني وحذّر من
أنّ تركيا «لن تقف مكتوفة اليدين» في وجه هذا التطوّر العدائي. وأعلن أنّ «تركيا
قادرة على ممارسة حقّها في ملاحقة المتمردين الأكراد داخل سورية إذا لزم الأمر».
ومن الواضح أن أردوغان يعتبر أنّ إقامة حزب العمّال الكردستاني ملاذاً آمناً شمال
سورية يتسلّل من خلاله المحاربون إلى تركيا هو أمر غير مقبول. وأوفد وزير الخارجية
أحمد داود أوغلو إلى إربيل لسؤال مسعود بارزاني بشكل حازم بالطبع عن اللعبة التي
يظن أنه يلعبها.
وتداولت وسائل الإعلام
التركية افتراضات مفادها أنّ أردوغان يخطّط لشنّ هجوم عسكري على شمال سورية لإنشاء
منطقة عازلة من أجل تحقيق هدفين محدّدين هما هزيمة القوات الكردية في شمال سورية
وتشتيتها وإنشاء «منطقة آمنة» للمقاتلين السوريين الذين يحاربون بشّار الأسد.
ماذا عن حسابات سورية؟
هناك ثلاثة أسباب ممكنة وراء سحب الرئيس الأسد قواته من المنطقة الحدودية الكردية.
فهو بحاجة إلى هذه القوات للدفاع عن دمشق وحلب كما أنه يرغب في معاقبة أردوغان
لدعمه المعارضة السورية. وهو متحمّس لمصالحة الأكراد من أجل ثنيهم عن الانضمام إلى
صفوف المتمردين. وفي الواقع، بدأ الرئيس السوري منذ أشهر التودّد إلى الأكراد من
خلال إصدار مرسوم رئاسي ينصّ على منح عشرات الآلاف ممن يقيمون في سورية الجنسية
السورية، الأمر الذي كانوا يسعون إليه منذ أكثر من نصف قرن.
ما هو رأي رئيس
الوزراء العراقي نوري المالكي بهذه التطوّرات؟ يبدو أنه يراقب الأزمة السورية عن
كثب. ففي حال سقط الأسد واستُبدل نظامه بنظام إسلامي، قد يتمّ إحياء آمال الأقلية
السنية في العراق وحلفائها في تنظيم «القاعدة» بإمكان الإطاحة بالمالكي وبائتلافه
الشيعي. كما يخشى المالكي من أن يتدفق آلاف المقاتلين الأكراد من العراق إلى سورية
وأن يعملوا على تقوية مطالبة الأكراد بمدينة كركوك وبالثروة النفطية فيها.
ما هي أهداف الأكراد؟
على رغم التنازلات التي قدّمها الأسد لمصلحتهم، فهم لا يحبونه. غير أنّهم لا يحبون
المعارضة. ويبدو حزب الاتحاد الديموقراطي معادياً للمجلس الوطني السوري الموجود في
تركيا والذي يعتبره دمية بيد تركيا. وبشكل عام، كان التيار القومي الكردي الذي
يعدّ علمانياً على خلاف دائم مع جماعة «الإخوان المسلمين» السورية ويخشى من
تسلّمها السلطة في دمشق.
ويحاول زعيم حزب
الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم محمّد تقديم رؤية فلسفية للأمور. فقد نُقل عنه قوله
إن «السلطة الحاكمة في دمشق تأتي وترحل. فهذا لا يهمّ بالنسبة إلينا نحن الأكراد.
ما يهمنا هو أن نؤكّد على وجودنا». ولا يتوقع الأكراد السوريون نيل استقلالهم من
الدولة السورية. فهم يعرفون أنّ هذا الهدف ليس واقعياً لا سيّما أنّ المناطق
الكردية مشتتة في سورية. بل هم يسعون إلى الحصول على قدر كبير من الاستقلالية بحيث
لا يتعرضون للتمييز ويضمنون حقوقهم السياسية والثقافية على حدّ سواء.
لا شكّ في أنّ أردوغان
يراقب كيفية إدارة حزب الاتحاد الديموقراطي والمجلس الوطني الكردي للقرى الكردية
التي يسيطرون عليها اليوم على الحدود السورية. وإن أحسنوا التصرّف فهو لن يتدخّل.
لكن في حال بدأوا بإرسال المقاتلين إلى تركيا، قد يصبح مرغماً على الردّ بقوة.
وحذّر حزب العمّال الكردستاني من جهته أنه إذا تدخّل الأتراك ستتحوّل «كردستان
برمّتها إلى منطقة حرب».
لقد تمّت إضافة عامل
عدم استقرار أساسي إلى منطقة هشة أصلاً. ويبدو أنّ الوضع الكردي يغلي على نار
هادئة. وفي حال تسارعت وتيرة هذا الغليان، فقد يطاول الجميع.
* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط
تعليقات