حازم الأمين
الأحد ٣٠ سبتمبر ٢٠١٢
قبل
أسابيع قليلة تمكن الجيش النظامي السوري في ريف ادلب من أسر مجموعة عناصر
من كتائب «أحرار الشام»، وهي مجموعة سلفية قيد التحول في سورية. بعد ذلك
قرر مسؤول في «الأحرار» على ما يسميهم الناس هناك، ان يخطف رجلاً كانت
تربطه بالنظام السوري علاقات، وهو يقيم في إحدى قرى ريف ادلب، لمبادلته
بالعناصر التي تم أسرها. توجه مع عناصر من جماعته الى منزل ذلك الرجل
واقتحمه. الرجل المُستهدف لم يكن في حينه في منزله، بل كانت زوجته وبناته
وأبناؤهم، وكان من بين بناته واحدة توفي زوجها قبل أيامٍ قليلة، وما زالت،
على ما يقول سكان من البلدة، في «أشهر العدة»، تلك الفترة التي تفصل المرأة
عن موت زوجها والتي تُعتبر فيها مقابلتها رجالاً غرباء أمراً محرماً.
هال رجال البلدة ان يقتحم رجال غرباء منزلاً في بلدتهم تعيش فيه امرأة في «أشهر العدة»، فهبوا للتصدي لمجموعة «أحرار الشام» السلفية لانتهاكها ما أملته شريعة السماء.
طُرد عناصر «الأحرار» من البلدة شر طردٍ، وشاركت في عملية حماية المنزل من انتهاكهم مجموعات من «الجيش الحر» من أبناء البلدة. هذه الواقعة انعكست سلباً على هذه الجماعة، مما اضطرها الى اعلانها فصل جميع أفراد المجموعة التي حاولت اقتحام المنزل.
في هذه الواقعة عناصر عديدة تُفسر علاقة السوريين بالمجموعات السلفية، والسلفية الجهادية، القتالية منها والتكفيرية التي شدت رحالها الى سورية مستثمرة الفراغ الهائل الذي خلفه النظام، عمداً في أحيان كثيرة وضعفاً وتقهقراً في أحيان أخرى.
نعم فالسلفية الجهادية القادمة الى الريف في شمال سورية اصطدمت وستصطدم بالهوية الدينية للسكان هناك، وستنتهك «القاعدة» اسلام السكان قبل انتهاكها أي شيء آخر، ذاك ان الحياة في هذه الأرياف لا ينقصها تكثيف للطقس الديني حتى تنعقد على نموذج وموديل. انهم مسلمون، قبل ان تولد «القاعدة»، وهم مسلمون ممارسون ولا ينتظرون قادمين غرباء لكي يُضفوا على اسلامهم مزيداً من «الالتزام».
في البيئة السورية الريفية أسباب كثيرة لمقاومة «القاعدة». فالأخيرة جاءت لـ»بيع الماء في حارة السقايين»، وما يبقى من بضاعتها اذا ما طرحنا منه بُعده الطقسي، هو السلاح والعنف وفتاوى القتل والسطو على حياة الناس وأنماط عيشهم، وهو ما سيتصدى له السكان من دون شك، اذ ان شعورهم بـ»غزوة» غرباء بدأت تلوح علاماته. ألم يقتل الجيش الحر في حمص اللبناني وليد البستاني الذي كفّر مشايخ في المدينة؟
جرى ذلك في محافظة الأنبار العراقية، فهناك، السكان والعشائر (الصحوات) هم من تولى طرد «القاعدة» بعدما حاولت ان تستولي على حياتهم وتحل مكان عشائرهم.
في الأسبوعين الفائتين ارتفعت معدلات التحذير من «القاعدة» في سورية. قناة فرنسية بثت فيلماً عن حلب قالت فيه ان نحو 800 مقاتل غير سوري يُقاتلون هناك، وصحيفة «الغارديان» نشرت تحقيقاً عن «القاعدة» في ريفي حلب وإدلب. الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون أطلق تحذيراً أشار فيه الى بداية ولادة ظاهرة «جهاد عالمي» في شمال سورية ودمشق. لكن وجهة الكلام عن «القاعدة» في سورية غالباً ما تُشحن بقدر من الريبة بالثورة لا بالنظام، في حين يبدو جلياً ان جهداً كبيراً يبذله النظام في سبيل إفساح المجال لهذه الجماعات التكفيرية لكي تحل محل الثورة، وما تتحمله الثورة من مسؤولية في استجابتها لا يعدو كونه انعداماً في الخبرة والدهاء. فالجيش النظامي أقدم مثلاً على انسحابات مريبة من مناطق كثيرة في الريف السوري بهدف افساح المجال لهذه الجماعات التي يسهل له بعدها استهداف السكان بالقصف بذريعة وجودها، كما ان عمليات تسلل عناصر غريبة الى عدد من المناطق تجري تحت أنظار هذا النظام. خبرة كبيرة اكتسبها النظام السوري في العلاقة مع الجماعات التكفيرية في العراق ولبنان، وها هو يستثمر خبراته اليوم في سورية.
مناطق خارج السيطرة مضبوطة برقابة أمنية شديدة، وانكفاءات مريبة عن طرق ومسالك دأبت «القاعدة» على سلوكها، فيما تفاوتت الرقابة تبعاً للوظيفة وللظروف. أليس هذا ما جرى حرفياً مع جماعة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد في شمال لبنان؟ ألم تكن الحدود العراقية -السورية في منطقة البوكمال مسرحاً لهذا النوع من الرقص الدموي؟
«الجهاديون التكفيريون» الآتون الى سورية بتسهيل من النظام ومن التخلي الدولي والإقليمي عن السوريين، سيصطدمون بالبيئة المحلية، وقد بدأت اشارات اصطدامهم تصدر مبكرة. انعقدت علاقات بينهم وبين هوامش ضعيفة في المجتمع الريفي في شمال سورية، فهم في 2كثير من البلدات والقرى هناك استثمروا في شبان عصفت بهم أزمات عائلية وجهوية وشخصية. كان ذلك شرارة العلاقة الوحيدة بمجتمعات القرى والبلدات على الحدود مع تركيا. واستثمروا أيضاً في شبان كانوا خبروا العلاقة معهم في العراق إبان تسهيل النظام عمليات تسرب شبان سوريين الى الأنبار.
الثورة السورية هي متن المجتمعات المحلية، وليست هوامشها. الى التظاهرات تُرسل المدن والقرى وجوهها ومتعلميها وأطفالها، فيما تقيم السلفية الجهادية الآتية في هوامش المناطق لا في متونها وساحاتها. كتائب الجيش الحر المسماة بأسماء شهداء القرية، وبأسماء عائلاتها ومناطقها تقيم ثُكنها وسط القرية وفي ساحتها، فيما عناصر «جبهة النصرة» و»كتائب أحرار الشام» يختارون مناطق بعيدة لإقامتهم، ولا يُشكل عناصرهم المحليون أكثر من 3 في المئة من مجموع مقاتلي البلدة.
اذاً الغرباء وغير السوريين هم متن ظاهرة «القاعدة»، وهذه حقيقة تُدركها الجارة الكبرى تركيا التي تراقب من وراء الحدود ومن داخلها ما يجري في سورية. وزحف الهامش على المتن جارٍ اليوم بحسب ما يؤكد كثيرون (في سراقب كان عدد المقاتلين الأجانب لا يتعدى عشرة قبل نحو شهرين، وعددهم اليوم حوالى عشرين بحسب ما يؤكد ناشطون هناك).
التأخر في نجدة السوريين سيوسع دائرة المسؤولية عن ايجاد بؤرة جديدة لهؤلاء التكفيريين. تركيا ودول عربية لن تكون في منأى عن «الجهاد الدموي». وحدهم السوريون من سيقاتلهم. وحدهم السوريون من سينتهك هؤلاء عيشهم وأمنهم بعد أن انتهكهما النظام.
المصدر:
هال رجال البلدة ان يقتحم رجال غرباء منزلاً في بلدتهم تعيش فيه امرأة في «أشهر العدة»، فهبوا للتصدي لمجموعة «أحرار الشام» السلفية لانتهاكها ما أملته شريعة السماء.
طُرد عناصر «الأحرار» من البلدة شر طردٍ، وشاركت في عملية حماية المنزل من انتهاكهم مجموعات من «الجيش الحر» من أبناء البلدة. هذه الواقعة انعكست سلباً على هذه الجماعة، مما اضطرها الى اعلانها فصل جميع أفراد المجموعة التي حاولت اقتحام المنزل.
في هذه الواقعة عناصر عديدة تُفسر علاقة السوريين بالمجموعات السلفية، والسلفية الجهادية، القتالية منها والتكفيرية التي شدت رحالها الى سورية مستثمرة الفراغ الهائل الذي خلفه النظام، عمداً في أحيان كثيرة وضعفاً وتقهقراً في أحيان أخرى.
نعم فالسلفية الجهادية القادمة الى الريف في شمال سورية اصطدمت وستصطدم بالهوية الدينية للسكان هناك، وستنتهك «القاعدة» اسلام السكان قبل انتهاكها أي شيء آخر، ذاك ان الحياة في هذه الأرياف لا ينقصها تكثيف للطقس الديني حتى تنعقد على نموذج وموديل. انهم مسلمون، قبل ان تولد «القاعدة»، وهم مسلمون ممارسون ولا ينتظرون قادمين غرباء لكي يُضفوا على اسلامهم مزيداً من «الالتزام».
في البيئة السورية الريفية أسباب كثيرة لمقاومة «القاعدة». فالأخيرة جاءت لـ»بيع الماء في حارة السقايين»، وما يبقى من بضاعتها اذا ما طرحنا منه بُعده الطقسي، هو السلاح والعنف وفتاوى القتل والسطو على حياة الناس وأنماط عيشهم، وهو ما سيتصدى له السكان من دون شك، اذ ان شعورهم بـ»غزوة» غرباء بدأت تلوح علاماته. ألم يقتل الجيش الحر في حمص اللبناني وليد البستاني الذي كفّر مشايخ في المدينة؟
جرى ذلك في محافظة الأنبار العراقية، فهناك، السكان والعشائر (الصحوات) هم من تولى طرد «القاعدة» بعدما حاولت ان تستولي على حياتهم وتحل مكان عشائرهم.
في الأسبوعين الفائتين ارتفعت معدلات التحذير من «القاعدة» في سورية. قناة فرنسية بثت فيلماً عن حلب قالت فيه ان نحو 800 مقاتل غير سوري يُقاتلون هناك، وصحيفة «الغارديان» نشرت تحقيقاً عن «القاعدة» في ريفي حلب وإدلب. الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون أطلق تحذيراً أشار فيه الى بداية ولادة ظاهرة «جهاد عالمي» في شمال سورية ودمشق. لكن وجهة الكلام عن «القاعدة» في سورية غالباً ما تُشحن بقدر من الريبة بالثورة لا بالنظام، في حين يبدو جلياً ان جهداً كبيراً يبذله النظام في سبيل إفساح المجال لهذه الجماعات التكفيرية لكي تحل محل الثورة، وما تتحمله الثورة من مسؤولية في استجابتها لا يعدو كونه انعداماً في الخبرة والدهاء. فالجيش النظامي أقدم مثلاً على انسحابات مريبة من مناطق كثيرة في الريف السوري بهدف افساح المجال لهذه الجماعات التي يسهل له بعدها استهداف السكان بالقصف بذريعة وجودها، كما ان عمليات تسلل عناصر غريبة الى عدد من المناطق تجري تحت أنظار هذا النظام. خبرة كبيرة اكتسبها النظام السوري في العلاقة مع الجماعات التكفيرية في العراق ولبنان، وها هو يستثمر خبراته اليوم في سورية.
مناطق خارج السيطرة مضبوطة برقابة أمنية شديدة، وانكفاءات مريبة عن طرق ومسالك دأبت «القاعدة» على سلوكها، فيما تفاوتت الرقابة تبعاً للوظيفة وللظروف. أليس هذا ما جرى حرفياً مع جماعة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد في شمال لبنان؟ ألم تكن الحدود العراقية -السورية في منطقة البوكمال مسرحاً لهذا النوع من الرقص الدموي؟
«الجهاديون التكفيريون» الآتون الى سورية بتسهيل من النظام ومن التخلي الدولي والإقليمي عن السوريين، سيصطدمون بالبيئة المحلية، وقد بدأت اشارات اصطدامهم تصدر مبكرة. انعقدت علاقات بينهم وبين هوامش ضعيفة في المجتمع الريفي في شمال سورية، فهم في 2كثير من البلدات والقرى هناك استثمروا في شبان عصفت بهم أزمات عائلية وجهوية وشخصية. كان ذلك شرارة العلاقة الوحيدة بمجتمعات القرى والبلدات على الحدود مع تركيا. واستثمروا أيضاً في شبان كانوا خبروا العلاقة معهم في العراق إبان تسهيل النظام عمليات تسرب شبان سوريين الى الأنبار.
الثورة السورية هي متن المجتمعات المحلية، وليست هوامشها. الى التظاهرات تُرسل المدن والقرى وجوهها ومتعلميها وأطفالها، فيما تقيم السلفية الجهادية الآتية في هوامش المناطق لا في متونها وساحاتها. كتائب الجيش الحر المسماة بأسماء شهداء القرية، وبأسماء عائلاتها ومناطقها تقيم ثُكنها وسط القرية وفي ساحتها، فيما عناصر «جبهة النصرة» و»كتائب أحرار الشام» يختارون مناطق بعيدة لإقامتهم، ولا يُشكل عناصرهم المحليون أكثر من 3 في المئة من مجموع مقاتلي البلدة.
اذاً الغرباء وغير السوريين هم متن ظاهرة «القاعدة»، وهذه حقيقة تُدركها الجارة الكبرى تركيا التي تراقب من وراء الحدود ومن داخلها ما يجري في سورية. وزحف الهامش على المتن جارٍ اليوم بحسب ما يؤكد كثيرون (في سراقب كان عدد المقاتلين الأجانب لا يتعدى عشرة قبل نحو شهرين، وعددهم اليوم حوالى عشرين بحسب ما يؤكد ناشطون هناك).
التأخر في نجدة السوريين سيوسع دائرة المسؤولية عن ايجاد بؤرة جديدة لهؤلاء التكفيريين. تركيا ودول عربية لن تكون في منأى عن «الجهاد الدموي». وحدهم السوريون من سيقاتلهم. وحدهم السوريون من سينتهك هؤلاء عيشهم وأمنهم بعد أن انتهكهما النظام.
المصدر:
تعليقات